لا يمكن وضع الهجوم الذي شنه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على قائد الجيش العماد جوزاف عون، إلا في سياق نهج متصاعد، منذ ارتفاع أسهم قائد الجيش كمرشّح لرئاسة الجمهورية.
فالاتهامات التي صدرت من باسيل الثلاثاء، خطيرة، ويمكن تحويلها إلى إخبار قضائي، فالخيانة في لبنان لها تفسيرات حادّة، وقد تندرج في إطار الجريمة التي تحاكِم عليها المحكمة العسكرية. ولم ينقُص هذا الاتهام إلا وثيقة مكتوبة، أو أي إثبات دامغ لتحويل قائد الجيش إلى القضاء ومحاكمته. أما عن قلة الوفاء، فلا نعرف ما هي خلفيات هذه الصفة. واللبنانيون جميعاً يشهدون لقائد الجيش بنظافة كفه، وصبره، وحسن إدارته للمؤسسة العسكرية في أحلك الظروف، بل إن قائد الجيش تحمل أوزار الطبقة السياسية وأوحالها، وبث الروح المعنوية في مؤسسة كان يمكن أن تتشظّى وتتلاشى، فيما وصل معاش الجندي إلى ستين دولاراً في الشهر، وهذا كله بسبب الفساد السياسي، الذي يحاربه النائب باسيل بالطبع، كما نسمع منه دائماً.
فمَن هو الضحية يا ترى؟ القضية كلها تتعلق بالرئاسة، ولو لم يكن جوزيف عون مرشحاً، لما كـان هذا الكيل من الاتهامات، في مسلسل منتظم، قد صدر ضدّه، من طرف واحد دون سواه. وهناك أطراف في لبنان، يتهامسون بأن النائب جبران باسيل، يحاول جاهداً إقناع حلفائه بأنه المرشح الأفضل لرئاسة الجمهورية، وهذا بالطبع من حقّه. وإذا كان صحيحاً أنه يفكر بهذه الطريقة، فليعلن ترشيحه، وهناك فرصة كبيرة في أن يفوز، فهو زعيم لكتلة وازنة في المجلس، ولديه حراكه السياسي، ومواقفه وحيثياته، ودوره القيادي في المجتمع اللبناني.
ولكن السؤال: هل ما يحدث في المنطقة من إعادة رسم خريطة، ملائم لهذه الهزة الارتدادية العنيفة؟ وهل يعتقد أيّ محور أن إخراج حماس من شمال غزة، وربما في وقت لاحق من جنوبه، يصب في مصلحته؟
القراءة السياسية والموضوعية توحي بغير ذلك، فلو خرجت حماس من غزة، ستخسر إيران ذراعاً مهمة، بل ستكون نكسة استراتيجية لمحور الممانعة، لا تقل أهمية عن الخسارة الاستراتيجية التي منيت بها إسرائيل في 7 تشرين الأول الماضي.
يجذّف باسيل في بحر هائج الآن، والتمديد لقائد الجيش أمر محسوم، في اعتقادنا. فلا يمكن بأي حال من الأحوال ترك الجيش وحيداً، وهو من المؤسسات القليلة التي لم تعبث بها أيدي الفاسدين، ولم تسقط كما سقطت حُصون كان يعتقد أنها عصية على الانهيار.
“خيانة الأمانة”، “قلة الوفاء”، “التعدي على صلاحيات الوزير”، “مخالفة قانون المحاسبة العمومية”، “تنفيذ طلبات الخارج”، “الانقلاب على رئيس الجمهورية”، “تنفيذ سياسة الغرب”، “تطبيق القرار 1701 بشكل مجتزأ”… كل هذه العناصر الاتهامية وردت في تصريح باسيل، ولا يمكن لأي إنسان واع أن يفهم كيف أنها تجسدت في شخصية واحدة، والأشرار الذين يحاكمون أمام المحاكم العرفية لا يُوجَّه إليهم هذا العدد من المخالفات والموبقات.
الواضح أن وراء الأكمة ما وراءها، والقضية ليست “رمّانة بل قلوب مليانة”، كما يقول المثل، بينما الشعب اللبناني يأمل من جميع القياديين أن يتحلوا بروح المسؤولية والمنطق، للخروج بحلول من أزمات متراكمة، لم يسبق لها أن حدثت في أي وطن، حتى في جمهوريات الموز، والأدغال البعيدة.
ج.د.