شارك مع أصدقائك

بقلم: أ.د / عماد وليد شبلاقبقلم: أ.د / عماد وليد شبلاق

رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية بأستراليا ونيوزيلندا
ونائب رئيس المنتدى الثقافي الأسترالي العربي
وعضو مجلس الإدارة بمجلة عرب أستراليا  
Edshublaq5@gmail.com 

نبدأ من الآخر والله المستعان، فقد تم تخصيص ما يقارب من 36% من ميزانية / موازنة الدولة الأسترالية للضمان الاجتماعي أو الإعانة الحياتية Social security or Centre link (CL) لهذا العام 2024/2025 والحقيقة أن الرقم لافت للنظر لضخامته وتفوقه على قطاعات الصحة (15.6%) والتعليم (7.1%) والدفاع (6.3%) ومجتمعين بنسبه (29%).
الإحصاءات (غير المحدثة للعام 2021 وربما غير الرسمية كذلك) تشير بأن هناك أكثر من 5 مليون أسترالي (من إجمالي عدد السكان الأستراليين حتى تاريخ 20 مايو 2024 – نسمه 26,669,107) يقفون في طوابير الـ CL)) كل أسبوعين أو ما يشابه للبقاء على قيد الحياة!
أرقام عجيبة وسياسات غريبة وقد لا تستغرب كثيرا إذا ما وجدت أحدهم (هي أم هو أو هياهو) قد سطر في سيرته الذاتية أنه ولمدة 5 سنوات أو ربما 10 سنوات وهو تحت مظلة أو سقف السنتر لينك أو الضمان والرعاية الاجتماعية وقد اكتسب الكثير من الخبرات في هذا المجال (إدارة واتصالات وتحايل وتحليل مقارنات مالية وغيره) وربما أبدع فيها وأصبح يقدم النصائح للآخرين بدءاً من كتابة السيرة الذاتية وحتى التهرب من الأنظمة والقوانين).
وبالرغم من قساوة المنظر للبعض (من ذوي الكفاءات العالية والخبرات الدولية المتفوقة) وعائلاتهم حيث الوقوف المشين بالطابور لاستلام المعونة المخصصة والتي تكون أقرب إلى التسول المنظم كونها أصبحت لا تكفي حتى لإطعام وتعليم أطفال الأسرة الواحدة.          
  المستفيد اليوم من خدمات السنتر لنك أو “السنترلنكاوي” أو ” السنتر لنكي” إن صح التعبير وهو عادة ما يتراوح ما بين الصادق المهموم وما بين الرافض المحروم والذي يقوم برفض كل العروض المقدمة والممكنة للانخراط في سوق العمل لدرجة أن يقوم بتعبئة البيانات الخطأ للمكان الخطأ وفي الوقت الخطأ ليثبت عدم صحة ما هو متاح أو معروض له، وأصبح اليوم مشغولاً وربما طول الوقت بتصيد الفرص المشروعة وغير المشروعة (الكاش) لكسب المال وإنفاقه إما في اللعب (القمار والرهانات) واللهو أو الأشياء الأخرى والتي لا تجلب له الصحة والسعادة. 
هذا المستفيد لم يقم باستغلال الفرص المتاحة ولا صقل لشخصيته كما ينبغي في خلال سنوات الرعاية الخمس أو العشر حتى فقد الثقة في نفسه وفيمن حواليه وبات  المهاجر الجديد يهدد حياته وشخصيته، وحقيقة الأمر أن هناك العديد من الفرص الدائمة والمؤقتة لكل شخص إن كان  صادقاً وأميناً وصبوراً ومجتهداً.
وقد أثبتت الحياة ذلك ولكن بعد قليل من التعب والمثابرة للوصول إلى الهدف المنشود فلا يعقل أن تكون يوميات هذا المستفيد قاصرة على النوادي والمقاهي والملاهي النهارية والليلية  وتفويت فرص التعلم والتدرب والتأقلم في  المجتمع أي كانت أشكاله وألوانه وكم شاهدنا من أناس قد غيروا من تخصصاتهم ودراستهم الأولية للحاق بركب التطور ومتطلبات السوق التنافسية .   
الصادق المهموم هو فعلا من يريد أن يعمل ويكسب بجد واجتهاد، ولكن قد أصابه الإحباط والهم نتيجة رفضه الدائم من قبل أرباب العمل في استراليا إما لكبر سنه أو لكبر مؤهلاته وخبراته غير الأسترالية أو حتى ربما لاختلاف عرقه ولونه في بعض الأحيان (الصينيون والهنود مثلا يميلون لتوظيف من هم في ضمن محيطهم وهذا ليس عيباً فهذه أستراليا بلد التعدد الثقافي والمتحيز!) ونجد اليوم الكثير من هؤلاء المستفيدين قد ارتادوا الأماكن العامة (الحدائق والمكتبات) أو الأسواق لقتل الوقت وإهداره متحسرين على ما أصابهم من قسوة الزمان وصعوبة المكان حيث الكثير من الذل والمهانة والتشتت الذهني.  
أما المستفيدون المتلاعبون فقد أحسوا وبذكاء شديد بأن البقاء بدون عمل أو فرص والتكسب بقليل من أموال أو مخصصات السنتر لنك ومن غير بذل لأي جهد كان حركيا (جسمانياً) أو فكرياً لهو الخيار الأفضل والبديل الأنسب لإمكاناتهم حيث تعودوا على الكسل والتقاعس والاعتماد على غير سواء بالطرق السليمة أو لأساليب التحايل على الأنظمة والقوانين وربما لأبعد من ذلك كممارسة السرقات وارتكاب الجرائم و التي انتشرت مؤخراً في معظم الولايات ومن صغار السن (الأحداث) والذين لا يرغبون في الانخراط لا في العمل ولا في الدراسة وفضلوا المال السهل على المال الصعب. 
وأخيرا نختم ونذكر بالبدايات فالأرقام حقا مزعجة ومقلقة، فهناك  أكثر من 5 مليون استرالي يتسولون الفتات من السنترلينك و بالكاد يكفي لسد حوائجهم اليومية ورصد حوالي 36% من موازنة الدولة لهم أمر يستحق الوقوف والتأمل وربما إعادة النظر أو إعادة الهيكلة لكثير من السياسات والأنظمة ولا عجب في تدني مستويات التعليم  والصحة نتيجة هذه النسب المتواضعة وربما المخجلة نوعاً ما (%7.1 ) للتعليم (  %15.6) للصحة و لا تعليق!