شارك مع أصدقائك

أستراليا اليوم

لافت جداً ما يدلي به بعض الممانعين، من أنّ مخيم عين الحلوة، أصبح عالة على اللبنانيين، وعبئاً على مدينة صيدا والجنوب بشكل عام. لكنّ التصريحات وقفت عند حدّ معين، وهو كون المخيم خطاً أحمر، لأنه مشمول باتفاقية القاهرة التاريخية، التي جرّت على لبنان الويلات.
ولو لم يكن السلاح الفلسطيني المتفلّت مشكلة، لما شمله الحوار في بعبدا، أثناء ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان، لكنْ لأن الذين حضروا طاولة الحوار آنذاك، وصَرفوا الوقت والجهد والحبر، كان عليهم أن “يغْلوا الاتفاق ويشربوا زُومه”، عادت الساعة إلى الوراء، وذهبت نتائج الحوار أدراج الرياح. وهذه العودة هي خطأ استراتيجي فادح، من جملة أخطاء كثيرة ارتكبتها السلطة الحاكمة في لبنان، التي تخلّت عن السيادة، مقابل إرضاء طرف، ولو كان إرضاؤه يقود إلى التهلكة وسوء العاقبة.
وبالأمس سمعنا أحد المسؤولين الفلسطينيين في حركة فتح، يطالب الجيش اللبناني بملاحقة فلول الجهات المتطرفة في حي الطوارئ، باعتباره حياً يخضع للسلطة اللبنانية، وهو جغرافيّاً خارج مساحة مخيم عين الحلوة، وكأنّ هذا المسؤول هو الذي يحدد للسلطة اللبنانية أين وكيف ومتى تتصرف، خدمة لأهداف حركته، ليس إلاّ. في حين أن المطلوب التنسيق مع الجيش اللبناني، وفتح أبواب المخيم أمام القوى الأمنية اللبنانية، لحسم موضوع السلاح، والمجموعات المتطرفة، والخارجين على القانون الذين يختبئون منذ سنوات في حي الصفصاف وغيره، وكثيرون منهم مطلوبون للعدالة، وصدرت مذكرات توقيف بحقهم.
إن طرح الحلول “على القطعة” هو الطامة البرى التي يجب تفاديها، والتفكير بحلّ جذري، يعيد هيبة الدولة، ويلجم السلاح الذي لم يثبت مرة واحدة، على الأقل أثناء حياتنا نحن، أنه كان لقتال إسرائيل. وقد استُخدم عشرات المرات في الداخل، ولم يُستخدم في مواجهة خارجية إلا في ما ندر.
وأمام هول ما يحدث في صيدا، والاعتداءات على السكان الآمنين الذين احتضنوا القضية الفلسطينية، وقدموا من أجلها الكثير، كما الاعتداء على حاجز الجيش اللبناني، وسقوط خمسة جرحى من العسكريين، يبدو أن الوقت قد تأخر كثيراً على التصرف بشكل حازم، وإنقاذ البلاد والعباد من كارثة المخيّم.
والغريب العجيب أننا نسمع من المسؤولين الفلسطينيين دائماً، أن المخيم خاضع للسلطة اللبنانية، فكأننا أمام معادلة: “إقرأ تفرح… جرب تحزن”. فأين هي السلطة اللبنانية الآن؟ وهل هي قادرة، في غياب رئيس وحكومة فاعلة أن تتخذ قراراً بالدخول إلى عين الحلوة، وهي أرض لبنانية، تدخل في التقسيم الإداري، والخارطة الرسمية لأملاك الشعب اللبناني؟
نخشى أن تكون المعركة الحالية، هي فصل من فصول المؤامرة على “فتح”، ولمصادرة ورقة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، كما حدث في قطاع غزة. وما انقلاب بعض الأطراف على تعهداتها لفتح، إلا في هذا الإطار. أمّا الحل، فهو اتفاق حركة فتح مع السلطة اللبنانية، على إنشاء قوّة مشتركة، تدخل إلى المخيم، وتحسم الأوضاع في داخله، وتلاحق الخارجين على القانون، ويكون للجيش اللبناني الكلمة العليا في المخيم. وهكذا تورد الإبل، وأي اقتراحات وفذلكات مموّهة، هي من باب ذرّ الرماد في العيون، وإبقاء النار تحت الرماد. فكفى أن يدفع لبنان وأهل صيدا والجوار مرات ومرات، ثمن حرب عبثية، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والمستفيدون منها أطراف يريدون وراثة حركة فتح على المستوى القيادي، وهم يخبّئون وجوههم، ويعملون في الخفاء من أجل هذا الهدف.
ج.د.