وزير خارجية لبنان عبدالله بو حبيب غائب عن السمع، ولا يظهر إلاّ في الأحلام. فأين هي زيارته المرتقبة إلى سوريا التي كُلِّف بها، وأُعطِي من قبل حكومة تصريف الأعمال مهلة لإنجازها؟
انقضت المهلة يا معالي الوزير، وكان في أسوإ الأحوال لزاماً أن تُعلم الشعب اللبناني بالمخفيّ الأعظم، وهل هناك فعلاً نيّة لإعادة اللاجئين الاقتصاديين، والذين ليست لديهم أي مشكلات سياسية مع النظام في بلادهم، إلى بلادهم؟
هذا ما تفعله جميع الحكومات، حفاظاً على مصلحة البلد المضيف، والبلد المورّد معا، خصوصاً أن عدد اللاجئين أصبح يعادل نصف سكان البلاد. ولنتخيل مثلاً أن مصر فيها لاجئون من دولة مجاورة يعادلون نصف السكان، أو السعودية أو العراق أو الهند!
بغضّ النظر عن الأخبار التي نسمعها كل يوم، عن اشتباكات، وسرقات، ومصادرة أسلحة، وجرائم اعتداء وقتل… فإن لبنان لم يعد يحتمل أكثر. وليس لأوروبا أيّ سيادة على الأراضي اللبنانية، لكي تكون هي الشمّاعة التي نتلطّى بها، لنقول: ليس هناك حلّ لأزمة اللجوء.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة: لماذا عندما كانت الحالة
الأمنيّة في سوريا أسوأ بعشرات المرات عما هي عليه الآن، وكانت البراميل المتفجرة تتساقط على المدن، والاشتباكات تعم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، لم يتوافد هذا العدد المهول من اللاجئين إلى الوطن الصغير؟ وهل هذا البلد الفقير والمعدم، هو “علبة الحلاوة” التي لا تُفوّت، لكي يرغب اللاجئون بها إلى هذا الحد؟
يبدو أن هناك أمراً ما يُحاك. فهذا التدفُّق غير طبيعي. وعلى الحكومة – وإن كانت حكومة تصريف أعمال- أن تضع خطة استراتيجية للحد من هذه الظاهرة، وإيقافها، وإجراء إحصاء شامل للاجئين، والمناطق التي جاؤوا منها. علماً أن جميع المدن السورية الآن ليس فيها حرب، فثلاثة أرباع البلاد تنعم بالهدوء في ظل النظام، والربع الباقي في الشمال والشرق، تسيطر عليه المعارضة، وهو هادئ نسبياً، وقلما نسمع عن أعمال حربية فيه. وبموجب الإحصاء يتبين من هو اللاجئ السياسي، فأهلاً به حتى تنتفي الأسباب التي أدت إلى لجوئه، ومن هو اللاجئ الاقتصادي الذي جاء إلى لبنان ليمارس مهنة يعتاش منها. والجميع يعلم أنّ آلاف المصالح التجارية في لبنان، وأعمال الدليفري،يديرها سوريون. وقد كشف محافظ البقاع
كمال أبو جودة عن أن “في قضاء زحلة فقط هناك 325 مُخيماً للنازحين السوريين، والمشكلة في بعض الأشخاص اللبنانيين المستفيدين مادياً والذين يمنعون تطبيق بعض التدابير في موضوع النازحين”. وذكر أنه “من أصل 2000 مؤسسة في بر الياس وحدها، 1700 منها تُدار من قِبل نازحين سوريين”.
إذن مئات المخيمات في مناطق لبنانية، ولبنانيون جشعون يشغّلون اللاجئين من دون تراخيص، وهذا ممنوع في جميع الدول لأن اللاجئ يحصل على مدفوعات من المؤسسات الدولية، وفُرص العمل هي من حق سكان البلاد أولاً. والأرقام التي يذكرها أبو جودة، مثيرة للخوف. وعلى الحكومة أن تتحرّك سريعاً جدّاً لحل هذه الأزمة – المأساة. ونخشى أن يصبح اللاجئون في سنوات قليلة أكثر من سكان البلاد، بينما لا تُتاح لهم الظروف للعودة إلى بلادهم… فمَن يسمع، ولماذا لا يتصرّف الذين لهم كلمة مسموعة في دمشق، أم ليس عليهم سوى الشكوى والتبرّم؟
للأسف، الوزير بو حبيب والوزراء الآخرون خارج الكوكب!
ج. د.