لا يستطيع أحد الآن أن يتكهن بما يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى، بعد الهجوم المباغت الذي شنه مسلحون من حركة حماس الفلسطينية يوم الأحد الماضي، على حفل موسيقيّ ومواقع عسكريّة ومدنية في الغلاف المتاخم لقطاع غزة. إلا أن الثابت هو، أن ما قبل الهجوم لن يكون كما بعده، فقد أعطت الولايات المتحدة والغربيون (من غير استثناء هذه المرّة) الضوء الأخضر لإسرائيل، للقيام بعملية عسكرية في قطاع غزة، قد تحيله كله إلى قفر بلقع، ودمار شامل.
الهجوم البري سيبدأ قريباً، والرد عليه من إيران وحلفائها، قد يكون عنيفاً أيضاً.
وفي الوقت نفسه، أضافت إسرائيل إلى قواتها في زمن قياسي، ثلاثمئة ألف جندي من الاحتياط، ما يوحي بأن لا عودة إلى الوراء. ووجّهت سلطات الاحتلال إنذارات إلى السكان بإخلاء الأحياء، وأن “يتوجّهوا إلى مصر”… وكل هذه الإشارات تدل على أن خيار أرماجدون، مدعوماً بموقف غربي صارم، وبحاملة طائرات هجومية أميركية، هو واقع حتمي تفرضه الساعات المقبلة.
ويقلل مسؤولون في حركة حماس من التهديدات بهجوم بـرّي، باعتبار أن في حـوزتهم أكثر من مئة أسير إسرائيلي، وهؤلاء يشكلون دروعاً بشرية قد تعيق أي هجوم بري. لكن بروتوكول هنيبعل الإسرائيلي ينصّ على أن “عملية الخطف يجب أن تتوقف بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك على حساب ضرب قواتنا وإلحاق الأذى بها”.
تم استخدام بروتوكول هنيبعل عدة مرات منذ عام 2008 نتيجة الاشتباكات العسكرية مع قوات المقاومة الفلسطينية في غزة، ما نتج عنه في عدة مناسبات مقتل أفراد الفصائل والجنود الأسرى. وعبارة “كل الوسائل” تنطبق أصلاً على العسكريّين، ويبدو أن الحديث عن هجوم شامل على قطاع غزة، لا يأخذ بعين الاعتبار وجود مدنيين في قبضة “حماس”.
وهذا يعني أن عملية الاختطاف الجماعية لن تعيق الهجوم الذي يعتبره أغلب المحللين تحصيلاً حاصلاً، فإسرائيل التي قامت على منطق التفوق العسكري، واليد العليا في الحرب، لا يمكنها أن تقبل بأقل من عملية انتقامية تعيد المبادرة إليها. وهو ما عبّر عنه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عندما قال: “إن كل مكان توجد فيه “حماس” سيتحول إلى ساحة دمار، وتحقيق النصر سيترك صدى للأجيال المقبلة، وسيغير صورة الشرق الأوسط.”
وأشار إلى أنّ “صور الدمار في قطاع غزة وأماكن تواجد “حماس”، هي البداية لما هو قادم”.
اللافت في هذه التصريحات ثلاثة، فما معنى تغيير صورة الشرق الأوسط؟ وما معنى أنّ الدمار الحالي هو بداية لما هو قادم؟ وما معنى أن يدلي نتنياهو بتصريحاته، بعد (وليس قبل) تهديد حركة “حماس” بقتل الأسرى لديها في حال استمرار الطيران الإسرائيلي باستهداف المدنيين؟
لقد حزم الجميع أمرهم، فحماس، وحزب الله، والفصائل العراقية، والحوثي في اليمن، كلها تهدد، والقذائف من الجانب السوري واللبناني تطلق على المستوطنات… وفي المقابل، فإنّ الآلة العسكرية الإسرائيلية تستعد لاجتياح مدمّر، والشعب في غزة سيدفع الثمن، ويتشرد مرة أخرى، إلا إذا دخلت عوامل عسكرية من الشمال تلجم الاندفاعة نحو غزة، وهو أمر مستبعد في الظروف الراهنة، وخيار أرمجدون هو الغالب.
ج.د