شارك مع أصدقائك

أستراليا اليوم

في خضمّ ما يجري في غزّة من قتل وتدمير ممنهج، وسفك دماء الأبرياء من المواطنين العزّل الذين لا يجدون مكاناً آمناً يلجؤون إليه، سادت الأوساط الإعلاميةلهجة حاقدة، ومعنى الإعلام هنا، كلّ مَن هبّ ودبّ، واستغلّ مواقع التواصل ليبث السموم والعنصرية البغيضة، وليس الإعلام الواعي الذي ينقل الخبر البنّاء والصادق، ويبث مشاعر الإخاء بين البشر.
قديماً قيل إن الكلمة سيف ذو حدّين، وهذا صحيح، وكلا الحدّين جارح. ولذلك يعتمد الإعلام على الأقلام الرصينة، والفكر الحكيم الناضج، والأخلاق العالية. أمّا إذا سقطت الأخلاق في الإعلام، فتسقط القيمة الإنسانية للمهنة، وتصبح بوقاً للشتائم والصغائر وتحقير الناس.
نحن في أستراليا نعيش، ونستفيد من حرّية لم نحصل عليها في بلداننا، ونتمتّع بقيمة التعدّدية الثقافية، فهناك عشرات الجنسيات والانتماءات والطوائف في البلاد. ولو احتقَرت كل مجموعة مجموعةً أخرى، لقامت القيامة، وتهدّم البناء على رؤوسنا.
فلنحترم مبادئ المواطنة التي ارتضيناها عندما أقسمنا اليمين على الجنسيّة… وقبول الجنسيّة يعني الوفاء للأمّة، وإذا كان الوفاء “على القطعة” فعليه السلام، وعلى انتمائنا أيضاً ألف سلام ورحمة.

ويفترض بقادة المجموعات أن يكونوا في طليعة المدافعين عن التعدّد وقبول الآخر، فلا يمكن أن يعيش المرء في بيئتين متناقضين ولا تتشابهان في وقت واحد، فطوراً هو أستراليّ يريد الحقوق كلّها، وطوراً هو غير أستراليّ، ويرفض الواجبات المطلوبة منه كمواطن صحيح.
نقول هذا، ونحن نتفهّم المشاعر الغاضبة تجاه ما يحدث في غزّة، وإن القلوب لتدمى، والعيون لتدمع من هول المأساة. ولكن بين هذا الموقف الحضاري وذلك الرأي المهين فرق كبير. والله خلق الأمم متفرّقة، فليس علينا أن نُلزم الآخرين بوجهة نظرنا، وإذا لم يقبلوها، يصيرون عرضة للتقبيح والتشويه… حتّى وصل الأمر بمراهق طائفيّ جاهل، استخدم اسماً مستعاراً، إلى وصف قداسة البابا فرنسيس، والبطريرك المارونيّ مار بشارة الراعي، والمطران الياس عودة بأبشع النعوت التي نربأ عن ذكرها… وللأسف، فقد تبنّى البعض تلك النعوت وقاموا بنشرها، لسبب غير مفهوم، ولا علاقة له بكلّ ما يجرّي في غزّة. كما تمّ تصوير رئيس الوزراء الأستراليّ أنتوني ألبانيزي بصورة، تدلّ على شعور بالفوقيّة والاستعلاء، وفرض الرأي على رئيس دولة محترمة، لا يجوز المس به من قبل أبناء بلده، إلاّ إذا كانوا يعتبرونه ضيفاً عنده، وهم رؤساء الوزراء الذين يحلّون ويربطون… ناهيك عن انتشار ألفاظ سوقيّة دنيئة تتناول الحكّام والرؤساء والقادة من كلّ فّجّ وعميق…
لقد بلبلت الخطوب عقول البعض، فخرجوا علينا بتصرّفات يندى لها الجبين. وهذا كلّه يشوّه سمعتنا أمام العالم. والأفظع تعبيرات “طائفيّة” أو عنصريّة مشينةسمعناها وقرأناها، وهي خارجة على الموضوع ولا تخدم القضايا المقدّسة، بل تؤدّي إلى ردود فعل عكسيّة. فليس هكذا تورد الإبل، ولا بهذا يكون إظهار وجهنا في الأزمات، وفي خدمة القضايا العادلة.
ج.د.