شارك مع أصدقائك

أستراليا اليوم

من الطبيعي أن يعتب النائب جبران باسيل، ويعارض تيّاره ما حدث في مجلس النواب، من تمرير لمشروع التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون. وبين الرجلين كاريزما متناقضة، وأبراج فضائية لا تلتقي.
وليس معلوماً لدى الكثير من المراقبين، ما هو سرّ هذا الرفض المطلق للتمديد لقائد الجيش، مع أنّ المرحلة – في لبنان والمنطقة على حدّ سواء- لا تقبل التأجيل، ولا ترف الوقت. والاستحقاقات في جنوب لبنان، وهي الأهم ّحالياً، قد طغت حتّى على ملف الرئاسة، وفرضت نفسها كأولويّة، وتبعاً لها لا يمكن تفريغ قيادة الجيش، والقيادات الأمنية الأخرى أيضاً، حتّى نبحث عن بدائل، فندور وندور في حلقة مفرغة، كما حدث في قضية رئاسة الجمهورية، وتفجير المرفأ، وغيرهما من القضايا التي لم تُحل، ولا يبدو أن هناك أملاً في حلّها قريباً.
وهذا الوضع، استشعره “حزب الله” والرئيس نبيه بري. ومن السذاجة الاعتقاد أن بري قد تحالف مع حزب “القوات اللبنانية”، أو غيّر بوصلته، أو ترك تيار الممانعة، ليلتحق بأوساط تناقض توجّهاته.
لكنّ اللحظة السياسية فرضت نفسها، ووراء الأكمة ما وراءها من اتّصالات وتنازلات، وتعديل في الاتّجاه.

وما ينطبق على الرئيس بري، ينطبق على جهات حليفة له، كتيّار المردة، و”حزب الله”. وهذا الأخير منشغل حالياً في المعركة جنوباً، وقد يكون موقفه في مجلس النواب ناتجاً عن مراجعة متأنّية للظروف، فالحزب يعرف تماماً أنّ الوضع في غزة سيتغيّر، وما تقوم به الممانعة غير كاف لتفعيل المواجهة، طالما أنّ إيران، وهي القائد لهذا المحور، غائبة عن السمع تقريباً، وتكتفي بالتصريحات، وإصدار الأوامر إلى أذرعها، للقيام بجزء ضئيل من عبء المواجهة.
والسؤال: هل سيستتْبع تغيير الستاتيكو في غزة، تغييرات مماثلة على جبهات أخرى؟
السؤال هذا له مفتاح سرّيّ، عند الجهات التي وضعت مخطّطاً من الألف إلى الياء، قد ينتهي بتطبيق صارم للقرار 1701… فهل بدأ العدّ العكسيّ، لإضعاف التأثيرات الإيرانية على الواقع اللبناني؟ وهل سيكون ملفّ رئاسة الجمهورية هو التالي، الذي سيجد فرصة جيّدة ليتبلور، مستفيداً من الأقدار الضاغطة؟
يعتبر العديد من الخبراء والمراقبين، أنّ كثيراً من الصفحات ستُفتح بعد حوالي شهرين من الآن، أي عندما ينقشع الدخان في غزة. وسيجد أطراف كانوا يعتبرون أنّهم بيضة القبان في كلّ شارد وواردة، أنهم غير قادرين على التحكم مرّة أخرى، وفرض شروطهم. وقد بدأ هذا المسلسل التراجعيّ منذ الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان، حيث بدا أن الرغبة الدولية، -والداخليّة أيضاً- في التغيير قد فرضت نفسها من خلال وصول مزيد من النواب المعارضين إلى البرلمان.
إذن، هناك مسار جديد للواقع السياسي في لبنان، ولا ينفصل هذا المسار عن مسارات أخرى معقّدة في المنطقة المحيطة بلبنان. ومن الواضح أن كل طرف سياسي في الداخل، ينتظر نتائج الحرب- أو الحروب التالية- ليبني على الشيء مقتضاه. وسيكون من الحكمة أن نستبق القراءة، ونفهم من الآن أن ما بعد 7 تشرين الأول لن يكون كما قبله، ونبحث معاً عن حلول في ضوء النتائج التي نتوقّعها، فإمّا نتابع المضيّ في طريق شائك، وإمّا نقتنع بأن مصلحة لبنان تقضي بالعودة إليه، قبل أيّ رهان آخر، وقبل أيّ تحالفات.
ج.د