شارك مع أصدقائك
 
مدحت قلادةبقلم / مدحت قلادة – أستراليا اليوم

منذ أن فتحت عيناي على هذه الدنيا، وأنا أسمع وأتعلم وأقرأ كثيراً أنك طيب القلب، حنون، تحب الجميع.

سافرتَ إلى السامرة، مسافة يومين أو ثلاثة سيراً على الأقدام، لتخلص نفساً واحدة.

وقيل عنك في الكتاب المقدس: “قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ” (متى 12:20).

هذه الآية تجسد الحب والتأني والصبر على الجميع، وهي تطابق كل أعمالك.

حقاً.. لقد صبرت طويلاً على شاول حتى قابلته أثناء رحلته إلى دمشق في طريقه لاضطهاد المؤمنين الذين آمنوا باسمك.

وذهبت إلى أريحا لتلتقي مع زكا العشار.

إن أعمالك وشجاعتك كانت ولا تزال ملهمة لكل ثائرٍ للحق.

فقد تحديت الظلم ونشرت رسالة المحبة رغم كل الصعوبات.

من قصتك أتعلم أن الثورة الحقيقية تبدأ من القلب وتستمد قوتها من الإيمان.

إنجيل لوقا 19 : الآيات من 1-10: “ثُمَّ دَخَلَ وَاجْتَازَ فِي أَرِيحَا. وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ زَكَّا، وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ وَكَانَ غَنِيًّا، وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ، وَلَمْ يَقْدِرْ مِنَ الْجَمْعِ، لأَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ. فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْمَكَانِ، نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ، وَقَالَ لَهُ: «يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ». فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وَقَبِلَهُ فَرِحًا. فَلَمَّا رَأَى الْجَمِيعُ ذلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُل خَاطِئٍ». فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: «هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ».
يا سيدي وإلهي إنني أعرفك ثائراً، هذه الصورة “صورة السيد المسيح الثائر” لم نتعلمها في كنيستنا ولم يوضحها لنا آباء الكنيسة بل بكل أسف قدموا لنا صورة مغايرة للحقيقة، أنك “ثائرٌ للحق”.

المسيح الثائر على الفكر اليهودي

ثائرا علي الفكر اليهودي، ثائرا علي التعليم الخاطيء، ثائرا علي استخدام المعبد للتربح والتجارة 
 
لقد كنت ثائراً على التعليم والفكر اليهودي لتصحح كل المفاهيم التي كانت موجودة عند اليهود في ذلك الزمان.
وخاصة تلك المتعلقة بالتمسك بحرفية الشريعة ولييس روح الشريعة، وكذلك التقليد الأعمى عند بعض الكتبة والفريسيين.
فرأيتك سيدي وكلمتك صداها في أذني كل مرة أقرأ الكتاب المقدس: “سمعتم أنه قيل… أما أنا فأقول لكم”.
وهذا يظهر بشكل رئيسي في موعظة الجبل (متى 5:21-48):
 

1. عن القتل (متى 5:21-22)

“قيل لكم: لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. أما أنا فأقول لكم: كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم.”
فأنت يا سيدي لم تكتفِ بالنهي عن القتل الجسدي، بل أشرتَ إلى أن الغضب والكراهية في القلب هي أيضاً خطايا.
حيث إنك ركّوتَ على الجذور الروحية للقتل، وهي الغضب والاحتقار.
 

2. عن الزنا (متى 5:27-28)

“قيل لكم: لا تزنِ. أما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها قد زنى بها في قلبه.”
حيث إنك قد وسّعتَ مفهوم الطهارة ليشمل الأفكار والمشاعر، وليس فقط الأفعال. فكنت تدعو إلى نقاء القلب والنظر.
 

3. عن الطلاق (متى 5:31-32)

“قيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. أما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني.”
فلقد كنتَ تشدد على قدسية الزواج، مشيراً إلى أن الطلاق ليس مجرد إجراء قانوني، بل قضية روحية عميقة تتعلق بالأمانة والمحبة.
 

4. عن الأيمان (متى 5:33-37)

“قيل أيضاً: لا تحنث، بل أوفِ للرب أقسامك. أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتة… بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا.”
إنك يا سيدي رفضتَ الحلفان تماماً، مشجعاً أتباعك على أن يكونوا صادقين دائماً، بحيث لا يحتاجون إلى تأكيد أقوالهم بحلف اليمين.
 

5. عن الانتقام (متى 5:38-42)

“قيل: عين بعين وسن بسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضًا.”
فلكم دعوتَ إلى رفض الانتقام، بل على العكس تماماً، دعوت إلى مقاومة الشر بالخير.
وعلاوة على ذلك شددّتَ على قوة المحبة والغفران في تغيير النفوس.
 

6. عن محبة الأعداء (متى 5:43-48)

“قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم.”
هنا كنت تدعو إلى مستوى أعلى من المحبة، يشمل حتى الأعداء.
فلقد أردّتَ أن تعكس للناس محبة الله الشاملة، التي تشمل الأبرار والأشرار على حد سواء.
لقد تعجبتُ كثيراً حينما راجعت كلماتك في الموعظة على الجبل التي هي دستور المسيحية.

المسيح الثائر

لقد كنتَ ثائراً على الفهم الخاطىء للتعليم، بل انطلاقا من ثورتك أراك في مواضيع أُخر.
حيث كنتَ ثائراً بقوة في الهيكل في الأسبوع الأخير من حياتك قبل الصلب، المعروف بأسبوع الآلام، وتحديداً بعد دخولك المنتصر إلى أورشليم (ما يُعرف بـ “أحد الشعانين”).
ورد هذا الحدث في الأناجيل الأربعة (متى 21:12-17، مرقس 11:15-19، لوقا 19:45-48، ويوحنا 2:13-22).
 

في إنجيل يوحنا:

يشير إلى أن تطهير الهيكل حدث في بداية خدمتك يا سيدي يسوع المسيح (يوحنا 2:13-22).
تبدأ القصة عندما دخلتَ إلى الهيكل، ووجدتَ الصيارفة وبائعي الحمام يستغلون الحجاج الذين يأتون لتقديم الذبائح.
فقمتَ بطردهم من الهيكل، وقلبتَ موائد الصيارفة، قائلاً:
“مكتوب: بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!” (متى 21:13).
وبذلك، أظهرتَ أنك ثائرٌ على استغلال الدين من أجل الربح المادي، لتحول الأنظار إلى  وجوب إعادة القدسية للهيكل الذي حولوه إلي موائد صيارفة!!!.

ثورتك ضد التعليم الفاسد

كانت تعاليمك يا سيدي يسوع المسيح تصحيحاً للعديد من المفاهيم الخاطئة التي كانت تُعلّمها القيادات الدينية في عصرك، مثل الفريسيين والكتبة.
حيث إنك انتقدتَ  رياءهم وتركيزهم على الشكليات بدلاً من الجوهر، فقلتَ:
“ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوءان اختطافًا ودعارة.” (متى 23:25).
كما أدنتَ فرضهم أعباءاً ثقيلة على الشعب من خلال القوانين والتقاليد التي لا أساس لها في الناموس الإلهي.
لماذا  كنت ثائرا خاصة في تلك الأحداث المهمة؟

1.تطهير الهيكل:

كان إشارة إلى رفضك استغلال الدين لمكاسب مادية.
حيثُ أظهرتَ أن العبادة الحقيقية يجب أن تكون نقية وموجهة لله وحده.

2.انتقادك للتعاليم الفاسده 

بالتالي كشفتَ نفاق القادة الدينيين وشددتَ على الروحانية الحقيقية.
 
اتعجب حينما أراك ثائراً، حينها أدركتُ أن الصورة التي تعلمناها وقدمتها لنا مدارس الأحد هي صورة غير كاملة.
حيث قدمتْ لنا المسيح المنكسر القابل اللطم والإهانة من الجميع، وهي الصورة النمطية التي يجب أن يطبقها كل مسيحي!
بينما أراك في أصعب وأضعف الأوقات لم تصمت ضد الظلم، ضد انعدام العدل وضد التجبر في حادث هام “هذا الحدث ورد في إنجيل يوحنا (18:23) وحدث أثناء محاكمتك أمام رئيس الكهنة حنّان، بعد أن تم القبض عليك  في بستان جثسيماني.
كان هذا في ليلة خميس العهد، بعد العشاء الأخير مع التلاميذ.
تم القبض عليك ياسيدي في بستان جثسيماني واقتيادك أولاً إلى حنّان، الذي كان رئيس الكهنة.
وأثناء استجواب حنّانيا، طُرحت عليك أسئلة حول تعاليمك وتلاميذك، وكان ردّك أن تعليمك كانت علنيةً ولم يكن هناك شيء مخفي. 
بعد إجابتك، قام أحد الخدام بصفعك على وجهك قائلاً: ” أهكذا تجيب رئيس الكهنة؟”
ولكنك لم تصمت بل تحدثت بكل قوة و  وضوح وسألته: “إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تلطمني “
بل أرى أن تعاليمك السامية تعلم بها الرسل بل حتى حينما كنت ثائراً أيضا تعلمها رسلك الكرام 
فها هو بولس الرسول على سبيل المثال، أكثر من كتب رسائل في كتابنا المقدس، الذي رفع شكواه إلى قيصر!!!
ولم يرضَ بالظلم أن يجلد ضد القانون الروماني.
وأرى أنهم جميعاً تعلموا منك سيدي حينما كنت ثائراً لنشر تعاليمك السامية وإكمال رسالة الفداء، علمتهم أن الثورة ليست بالسيف ولا بالقتل.
فلقد سبقت وقلت لبطرس: “رُدَّ سيفَكَ إلى غِمدِهِ! لأنَّ كُلَّ مَنْ يأخُذُ بالسَّيفِ، بالسَّيفِ يَهلِكُ” (متى 26:52).

تحدي الرسل للسلطات

فجميع رسلك الكرام تعلموا منك يا سيدي أن يكونوا متحمسين لنشر الرسالة فها هم:
تحدّوا السلطات اليهودية والرومانية اللتان حاولتا إسكاتهم.
وها هم ضحوا بحياتهم (معظمهم ماتوا شهداء) لنشر تعليمك، ماتوا ثابتين على الايمان لم يرفعوا سيفاً قط.
لم يغتصبوا، لم يسرقوا ولم يذبحوا بشراً.
عجباً لكنيستي، متي ستقدم لنا هذه الصورة أيضاً، صورة المسيح القوي الثائر ضد الظلم!
وعجباً أيضاً، لقد مات كل الرسل شهداء عدا يوحنا الحبيب لنشر تعاليمك السامية لفداء البشرية.
وأرى وأسمع خوف كاهن أسقف من تعميد أي طالب إيمان، خوفاً من أجهزة قمعية فاسدة.
وكيف هذا؟! أليست المسيحية رسالة حب وفداء للعالم؟ وكيف خوفهم وهم صلي عليهم صلاة الموت!

كلمة شكر

أخيراً أشكرك يا إلهي، لأنك علمتنا أننا لسنا شاة أتينا إلى العالم لنُذبح.
بل تركتَ لنا رسالة: أننا يجب أن نثأرَ ضد الظلم، ضد الطغيان وضد التعاليم الفاسدة .
ليت كنيستنا ومدارس الأحد تقدم لنا صورة المسيح رافض الظلم الثائر بصوتٍ عالٍ.
ذلك الذي ثأر وقال: “إن فعلتُ ردياً فقُل لي، وإن لم أفعل فلماذا …………