بقلم الأديب الدكتور / جميل الدويهي
القصّة التي سمعناها بالأمس عن ممرّضة من كوينزلاند فقدت عملها، بسبب رفضها أخذ لقاح كوفيد 19، محبِطة حقّاً، في بلد يؤمن بالحرّيّة وحقوق الإنسان، واختيار البشر لما يفعلونه بأجسادهم الخاصة بهم.
السيّدة إيللا ليِش، حامل في الشهر السابع، وتعرّضت لإجراء وظيفيّ اعتباطيّ، على الرغم من رفع إلزاميّة التلقيح منذ شهر أيلول، في العام الماضي.
وروت ليش لسكاي نيوز أنّها لم تكن تتوقع مثل ذلك الإجراء، وهي تنتظر الفرح لكونها أمّاً لطفل، وللمرة الأولى، لكنّ فرحتها لم تكتمل بسبب ما حدث لها.
وأعربت ليش عن استغرابها لمثل هذا الأمر، على الرغم من أنّ المستشفيات ترفع الصوت عالياً من أجل الحصول على موظفين، والناس يموتون في سيارات الإسعاف، والمناطق الريفية تعاني بشدة.
وتستغرب المرأة – كما نحن – لماذا تكلّف الحكومة الفيدرالية، وحكومات الولايات نفسها بأن تلغي إلزامية التلقيح، بينما يخسر الناس وظائفهم لرفضهم أخذ اللقاح. وتكشف ليش أن خمسين شخصاً على الأقل، قد فُصلوا عن أعمالهم منذ رفع إلزامية التطعيم في البلاد، في الخامس والعشرين من أيلول الماضي.
نحن نعرف أنّ أي حكومة في العالم، لا تجرؤ على فتح تحقيق في ما حدث أثناء فترة كوفيد 19، من منع للتجّول، وحبس الناس في مناطق جغرافيّة محدّدة، وإقفال متاجر ومصانع، وملاحقات قضائية، وغرامات ماليّة، وحالات انتحار… فلو فعلت الحكومات ذلك، لفتحت باب جهنّم عليها. وهذا ما كنا حذرنا منه خلال تفشي الجائحة. ولولا أن الناس في أستراليا عقلاء، لرفعوا دعاوى قضائية بالجملة للتعويض عن خسائرهم المادية والمعنوية الفادحة.
والسؤال: مَن هي الجهة التي يمكن أن تنصف السيّدة إللا ليش والخمسين شخصاً الآخرين – في كوينزلاند وحدها- الذين خسروا وظائفهم بصورة غير عادلة ولا أخلاقيّة أيضاً؟
هل هي حكومة الولاية؟ أم الحكومة الفيدراليّة؟ أم جهات قانونيّة يمكنها أن تشكل ائتلافاً للمطالبة بتعويضات تنصف الضحايا؟
إنّ المسألة برمّتها لا تقتصر على المعاناة الشخصيّة والعائليّة، بل تبيّن الوجه الآخر لنظام اجتماعيّ يفتقر إلى الشفافيّة والشعور الإنسانيّ – في مثل هذه الحالات حصراً.
وكأنّ الصمت مطلوب، إزاء الواقعة التي لا يمكن للأفلام والمسرحيّات أن تظهر فداحتها، غير أنّ بعض الشجعان، كالسيّدة ليش يمكن أن يحدثوا تغييراً، ولو بالحدّ الأدنى، وأن يحفروا الجبل بإبرة، من أجل اختراق واقع مزعج، لا بدّ من إنهاء تداعياته مرّة واحدة، وإلى الأبد.
وفيما ينذرنا الخبراء الآن، بموجة كوفيد جديدة (موجات متلاحقة)، نرجو عدم تكرار الأخطاء الماضية، وإدخالنا في دوامات مشابهة أكثر حدّة وفداحة، فالأجدى أن نتعلّم من الأخطاء، ونمضي إلى الأمام لا إلى الوراء!
المصدر / جريدة المستقبل