شارك مع أصدقائك

هاني الترك – OAMاستراليا اليوم :

كتبت مذكراتي وعنونتها «مذكرات اهملها التاريخ» شرحت بها سيرتي الذاتية في شتى مناحي الحياة..وعن كل ما اثّر على بلورة فكري ومعتقداتي العلمية والروحية .. عرضتها بشكل صادق وامين ولا زلت في انتظار كتابة الفصل الأخير قبل انتقالي الى عالم الروح.
وبعد طباعتها صديقتي لور  على الصف الالكتروني وقرأتها  شقيقتي مارسيل وصديقة عزيزة مقرّبة اليّ اعترضن على الصراحة التامة والتفاصيل الخاصة جدا مرتبطة بثقافتي العربية  واتجهت الى معالجة قضايا عامة تلقي الضوء على نواحي ثقافتنا العربية من خلال سيرتي الذاتية. ارى انها لن ترى النور اثناء واقع حياتي بحكم ثقافتنا العربية القامعة للحرية والفكر.. المجتمع الذي تغلب عليه الإيمان بالغيبيات والبعد عن المنهج العلمي الذي اساسه العقل وهو قبس من نور الله.
ولذا كتبتها لأني لم اتمكن من عرض فكري ومعتقدي الروحي والعلمي  في مقالاتي.. حيث لم اكشف فيها عن ذاتي وشخصيتي.. ولم احقق في مقالاتي ذاتي .. وهو الهدف الصادق من الكتابة.. اي كتابة.. فإني كإعلامي وكاتب اختلف عن كوني شخصاً عادياً في حياتي.. على عكس الثقافة الغربية اذ نرى اديباً كبيراً بارزاً اهم كاتب في استراليا والذي من المرجح ان يحصل على جائزة نوبل للآداب في استراليا اللبناني الأصل ديفيد معلوف.. اذ يقول انه لن يكتب مذكراته لأنه كتب تسع روايات نالت جوائز وطنية وعالمية وقرض الشعر واصدر عدة دواوين شعرية .. شخصياتها  مستقاة من تجاربه وحياته الخاصة.. واهمها وآخرها رواية Ransom الذي اعاد فيها كتابة ملحمة الإلياذة لهومرس بروحِ جديدة مبتكرة. 
وقد ذكر ديفيد في كتابه 12 Edmondstone Street جذورة اللبنانية جراء تربيته ومعاشرته لجديه اللبنانيين اللذين لم يتكلما الانكليزية. 
كنت قد كتبت له عن طريق الفاكس منذ نحو ثلاثين عاماً اسئلة اعددتها له للإجابة عليها والتعريف به للقارئ العربي فلم يجب .. وقال في الصحافة الاسترالية ان كونه من جذور لبنانية من  والده هو مجرّد صدفة ولكن بعد ذلك قابلته مرتين احدهما مع بوب كار وآدي عبيد والراحل بطرس عنداري في المكتبة الخاصة لـ جون بشاره.. وقد بدا بعد ذلك انه بدأ البحث واكتشاف جذوره اللبنانية وزار بعض الدول العربية.
وسوف يصدر له الاسبوع المقبل ديوان شعري يضم تجاربه في حياته والذي يحمل عنوان An Open Book .. وفي لقاء جريء معه لصحيفة الاستراليان وقبل اطلاق ديوانه الجديد سرد قصة اقرب الناس اليه وقال ان والده اللبناني ترك المدرسة حينما كان عمره 12 عاماً..وكان متفوقاً في الرياضة  وكان اكثر الرجال لياقة بدنية عرفهم في حياته.. فكان ملاكماً وسبّاحاً ولاعب راغبي ليغ من الدرجة الاولى ،
اما امه التي شدّته لحب الكتب والقراءة يهودية من خلفية برتغالية .. وكانت قارئة نهمة الهمته وفجّرت موهبته.
وشقيقته جيل فيليبس الأصغر منه بعامين تمتلك معرضاً للأثريات ..  والشخصية الرابعة في حياته  كلاريسا وهي المربية والطاهية والمنظفة كانت صديقة حميمة للعائلة وكان يراها كل اسبوع الى ان توفيت عام 1993.
كان عمر معلوف ثلاثين عاماً حين توفي والده .. و36 عاماً حينما توفيت والدته .. ولا زال يستعمل في كتاباته على آلة الطباعة العادية .. وحذر من التكنولوجيا الحديثة التي تقضي على كتابة الرواية .. فإن قصائده ورواياته تعبّر عن حياته والأقارب من حوله.. والقراء اصبحوا يعرفون الكثير عن سيرة حياته من خلال قراءاتهم لمؤلفاته لهذا لن يكتب مذكراته .. فهم يعرفون الكثير عنها. وهذا هو الفارق بيني وبين ديفيد معلوف .. فأنا انتمي الى الثقافة العربية مع اننا نعيش في موطن الحريات الغربية في استراليا لا يمكنني التعبير عن معتقداتي بصراحة في زمن تعتمد فيه الثقافة العربية على الغيبيات وتبتعد عن العقل الذي منهجه البحث العلمي.. حتي انني لن انشر مذكراتي .. في حين ان ديفيد معلوف ثمرة الثقافة الغربية لن يكتب مذكراته لأنه كشف عن ذاته في مؤلفاته.
هذا هو الفارق الكبير بين الثقافة العربية القاهرة والثقافة الغربية الحرة المفتوحة.