مهما تكن الظروف والمواقف، فإنّ رئيس الوزراء الفيدرالي السابق سكوت موريسون، يستحق منا كلمة تقدير.
لقد أعلن الزعيم الأحراري العريق أنه سيتقاعد من السياسة في نهاية شباط المقبل، لينهي مسيرة استمرت 16 عامًا في البرلمان الفيدرالي، بما في ذلك أربعة أعوام كرئيس للوزراء، وهذا يناقض ما صرح به، بُعيد هزيمة الائتلاف في انتخابات أيار 2022، بأنه سيبقى في السياسة الفيدرالية.
واعتزال السياسيين في أستراليا أمر شائع، بالمقارنة مع ما ألِفنا عليه في الشرق الأوسط، من بقاء السياسيين في مواقعهم حتّى سن متأخرة جداً. وهم يحضّرون عادة أبناءهم لمتابعة خطهم السياسيّ.
لاعتزال موريسون من الحقل العام تداعيات، أهمها شغور مقعد كوك، الآمن للأحرار في المبدإ. ومن شبه المؤكد أنه سيبقى مع الأحرار، خصوصاً في ضوء التراجع الخطير لشعبية حزب العمال، فيما تتقدّم المعارضة بقيادة بيتر داتون، إلى ما يقارب 50- 50 للحزبين.
لقد خدم السيّد موريسون أستراليا بكل إخلاص، وفي فترة من أصعب الفترات في تاريخها،
عندما تفشى فيروس كوفيد 19، واضطرت الحكومة الفيدرالية إلى فرض إجراءات صعبة بحكم الظروف، طائعة الاستشارات الصحيّة التي كان يقدمها كبار الاختصاصيين، حتى بدا أن هؤلاء هم الحاكمون الحقيقيون للبلاد.
وقال بيتر داتون في بيان وداعي للسيد موريسون: “في الوقت الذي قاد فيه بلادنا، أشرفَ سكوت على بعض أصعب التحديات التي عرفها رئيس وزراء أسترالي منذ الحرب العالمية الثانية، وأبرزها كوفيد-19”.
وقال النائب من الحزب الوطني بارنابي جويس، الذي كان في وقت من الأوقات نائب السيد موريسون، لشبكة أي بي سي: “الشخص الذي يخدم أمّته يستحق الثناء على الجهود التي بذلها”.
وقال: “يجب أن يكون (موريسون) راضيًا جدًا عما حققه”.
تم انتخاب السيد موريسون لأول مرة لعضوية البرلمان الفيدرالي في تشرين الثاني 2007 عن مقعد كوك، وقد جاء إلى السياسة من
مجال السياحة والتسويق، حيث عمل في كل من هيئة السياحة الأسترالية ومكتب نيوزيلندا للسياحة والرياضة. وربما سيعود موريسون الذي لا يريد أن يهدأ، إلى مجال الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية، كما تسرّب من مصادر عليمة.
وتولى موريسون حقيبة الهجرة لأكثر من خمس سنوات في حكومة الظل للمعارضة، قبل أن يشغل منصب وزير الخدمات الاجتماعية في عامي 2014 و2015، في عهد توني أبوت. وبعد ذلك أصبح وزيراً للخزانة. وتمكن من قيادة حزب الأحرار في عام 2018 عندما تحدّى بيتر داتون رئيس الوزراء آنذاك مالكولم تورنبول على المنصب الأعلى. فحصد موريسون غلّة التنافس بين الزعيمين القويين.
وليس جديداً القول إن فترة زعامة موريسون للبلاد لم تخلُ من نقاط رمادية، فأثناء حرائق الغابات في الصيف الأسود، انتقده الكثيرون لأنه توجه مع أسرته في رحلة استجمام إلى هاواي. وكانت الطامة الكبرى الكشف عن أنه – في فترة الوباء 2022-
تولى سرًا المسؤولية المشتركة عن الصحة، والمالية، والشؤون الداخلية، والصناعة، والخزانة.
كما تعرض لانتقادات شديدة خلال تحقيقات اللجنة الملكية للديون الآلية لدوره في المخطط الذي وُصف بأنه غير قانوني ومشؤوم، وأدّت الضغوط الناتجة عنه إلى انتحار عدة مواطنين. وموريسون يقول دائماً إن لا أحد أبلغه، أو أبلغ الوزراء، بأن ذلك المخطط غير قانوني.
ويبقى، إذا أردنا أن نفرز القمح من الزوان، أنّ حصاد سكوت موريسون بيادر من العطاء والتضحية من أجل أستراليا، وهذا يُحسب له في ميزان الإنصاف، بل نحن نعتبره واحداً من أهم الزعماء في التاريخ الأسترالي، ويضاف اسمه إلى أسماء الكبار. فله تحيّة إجلال…
وليكن الله الذي يجاهر بالإيمان به، معه في رحلته الجديدة… وهو يستحق رضى السماء، ورضى الشعب الأسترالي عن سيرته الطيّبة.
ج.د.