هاني الترك – OAM – استراليا اليوم :
كتبتُ الأسبوع الماضي مقالاً، قارنت فيه بين المرأة العربية والاسترالية.. وكانت تقريباً كل آراء القرّاء تفضل الزواج من عربية وليس أسترالية.
وتأكيداً على هذا الإجماع من الآراء، تشير الإحصائيات الصادرة عن المعهد الأسترالي لدراسة الأسرة، أن العيش سوياً كأزواج بدون زواج شرعي بين الاستراليين أصبح التقليد المتبع في المجتمع الأسترالي.
هذه الإحصائيات تؤكد ما ذكرته في السابق في مقالي أن المرأة الأسترالية لا تصلح في أغلب الأحيان لرعاية البيت والحفاظ على أسرة مستقرة.. ولذا فإن زواج العربي من امرأة أسترالية لا ينجح في الأغلب.. تبعاً لاختلاف العادات والتقاليد والثقافة.. والقصة التالية هي قصة واقعية لأحد القرّاء واسمه عصام.. ربما تكون شائعة في التقاليد العربية.. وخصوصاً في حياتنا في المهجر.. أقصُّها هنا للقارئ لما فيها من عِبَرٍ ورؤيةٍ لمشكلةٍ قد يواجهها البعض:
هاجرتُ إلى استراليا من فلسطين منذ نحو خمسين عاماً، باحثاً عن حياةٍ أفضل ومستقبلٍ أزهر.. ومن اللحظة التي وطأَت قدماي الأرض الجديدة.. شعرتُ بالغربة الشديدة والوحدة المدمرة.. وأدركت البُعد الحضاري والتباين في العادات والتقاليد بيني وبين أفراد المجتمع الأسترالي.. كنتُ عندما أسير في الشارع أخشى من عيون الناس، من أن تصب نظراتهم على سمرتي العربية وملامحي الشرقية.. وكنتُ حينما أنطق بلهجتي الإنجليزية المتعثرة أتحسس وحدتي في داخلي وأشعر بالتيه والضياع.. أتذكر في غربتي أهلي وموطني العربي.
وقابلتها على طريق الصدفة.. شقراء فاتنة.. طويلة بيضاء كالثلج.. متفتحة كوردة تمتلئ حيوية لقوامها وجسدها.. بإغراء وجاذبية المرأة الغربية.. تشتعل عاطفةً وتتوقد فكراً.. عثرتُ فيها على وجودي في الأرض الجديدة.. فأحسستُ منذ اللحظة التي رأيتها بدفءٍ عميقٍ وحبٍ صادقٍ هنيءٍ.
تطورتْ الصداقة بيننا إلى حبٍ فأصبحتُ هائماً بها.. ومفتوناً بسحرها.. وبتُّ لا أستطيع فراقها.. فقد أسكرتني بحبها ولم أكُن أطلب المزيد.. وجدتني مع الأيام اتأقلم بالحياة الجديدة.. ويتهدم الحاجز الذي كان يفصلني عن المجتمع.
جاء الوقت لاتخاذ القرار الطبيعي بالزواج.. كنا نظن أن الزواج سيمضي بدون عقباتٍ.. ولكن حدث ما لم نتوقعه.. سمع أهلي في فلسطين بالخبر.. وهرعوا إلى استراليا قبل أن يتم الزواج.. وبذلوا المستحيل من أجل منعه..
وأتذكّر كلمات امي الحزينة في ذلك الوقت:” لا تتزوّج يا ولدي من امرأة غربية
” تزوج فتاة من بلدك.. تشتم فيها رائحة أرضك.. نقيّة خصبة كالتراب الذي أنبتك.. ترفع بها رأسك حيث تعلم أنها شريفة بلا ماضٍ.. تصونك وتحافظ على بيتك.. وتجبر الناس على احترامها واحترامك.. لا تنسَ يا ولدي التقاليد العربية التي زرعناها فيك منذ الطفولة.. أنت في حاجة إلى زوجة مثلك تفهمها وتفهمك.. ترى جمالها في كمالها.. إن حبك لهذه المرأة الغربية الأسترالية ليس حباً.. لأن الحب هو الاستقرار في البيت الزوجي.. والمرأة الغربية لا تصلح أن تصون البيت وتحافظ على الحب”.
بتُّ محتاراً بين أهلي وحبي.. وعليَّ أن أختار.. وما أقسى وأصعب الاختيار.. وفي النهاية انتصر صوتُ أهلي على حبي وتحطمت علاقتي بحبيبتي.
سافرتُ إلى بلدي باحثاً عن شريكة عمري التي تناسبني.. سافرت والألم يعصر بقلبي.. فلم أستطع أن أنسى وجه حبيبتي الباكي.. أخذتُ في بلدي أطوف في البيوت باحثاً عن قدري.. عن فتاة تسعدني وأسعدها.. وزحف النصيب إلىَّ وتزوجتُ من فتاةٍ من بلدي في مدةٍ لا تزيد عن أسبوعين.. فتاة تبدو في طلعتها وملامحها كل معاني الدلال والإخلاص العربي.. وعُدْتُ معها إلى استراليا.
بدأنا نشقُّ طريق حياتنا في استراليا وكانت حياتنا في البدء مملة كئيبة لا تحمل طعماً للإثارة والمتعة.. فحينما كنت أنظر إلى زوجتي وأتأملها وأقارن بينها وبين حبيبتي.. أقول في أعماق ذاتي: لماذا تتفوق المرأة الغربية على العربية بالفكر، والثقافة والشخصية والاستقلالية.. وأسرح في ذهول متذكراً حبيبتي التي خذلتها.. أشعر وقتها بأن النار تقتلني من الداخل.. والعذاب الفظيع يضغط على أعصابي.. احتملت عذابي وأدركتُ أنه لا مفر سوى أن أروض نفسي على تقبل مصيري وأرتضي بزوجتي.
والحق والإنصاف أقول أن زوجتي منحتني العطف والحب والحنان.. واندفعت تعتني بي وبمنزلي.. وتخلص لي إخلاصاً متناهياً.
سارت الحياة بهدوء حتى أنجبنا أربعةَ أطفالٍ وهي لم تتوانَ عن توفير السعادة لي ولأولادي.. لقد صدق كلام أمي أن زوجتي هي مثال الزوجة العربية المخلصة الوفيّة.
وبمرور الزمن نسيت طيف حبيبتي.. وأدركت أن السعادة ليست في مقاييس الجمال الخارجي.. ولكن الارتضاء بنصيبي وتحقيق الانسجام بين عواطفي وزوجتي وأطفالي.
لقد أيقنت أن أهم عامل في إنجاح الزواج هو المسؤولية نحو البيت والزوج والأطفال.. وأن الحب الحقيقي هو الحب المستقر الطويل الأجل بين الزوج والزوجة والأطفال.. في بناء بيت سعيد.. فقد حاولتْ زوجتي كامرأة عربية بكل جهدها بعقليتها الشرقية إسعادي وإضفاء الاطمئنان على قلبي.. والشعور بالأمان في نفسي.
كانت حياتي في بدء الزواج رحلة صداع انتهت بالشكل السعيد الذي فرضه الواقع.. فإن معظمنا في المجتمع العربي يتزوج بلا مقومات الحب وبالطريقة التقليدية.. فينجح الزواج بدافع المحافظة على البيت والأولاد.
إني أدرك الآن لو أني استطعت أن أغير الماضي فلن أتزوج من التي كانت يوماً حبيبتي.. لكنه في الأغلب كان سيفتر الحب وتهجرني ويسقط الزواج.. إن أهم اعتبار في الزواج الموفق هو وحدة التقاليد وانسجام العادات والثقافة الواحدة.