كلمة رئيس التحرير / سام نان
منذ بدء الخليقة وهناك حرب، يحارب الإنسان أخاه ويقوم عليه ويقتله من أجل نفسه وأنانيته، فإنه يفني أخيه الإنسان من أجل بقائه هو، يدمره ويحطمه ليبني نفسه هو.
فقايين قتل هابيل، ومنذ ذلك الحين هناك حروب كثيرة في كل العالم، وشاعت مقولة «البقاء للأقوى».
فنيرون حرق روما، هولاكو اجتاح العالم، الدولة العثمانية سلاطين الدولة العثمانية غزوا الشرق.
ولكن دائماً يرد في ذهني سؤالٌ مهمٌ جداً هو: أين كل هؤلاء الآن؟
إنهم مجرد أسماء مصفوفة على ورق لكتب تاريخية، وليس أحدهم قرأ عن نفسه أو ليس منهم أحد فخور بنفسه أو يشعر بمن يمدحه أو يذم في سيرته.
ما أريد أن أقوله، أنه ليس بقاء دائم وخلود لأحد, فلكل إلى فناء وليس لهم ذكر، وليس من يحكم لهم عما حث بعد فراقهم الحياة، ولن يعرفون إن كان أحد سيمدحهم أو يذم فيهم.
بل هم كالعصافة التي تذريها الريح أو كالبخار الذي ظهر قليلاً ثم اضمحل، بل هم مجرد حفنة تراب لا قيمة لها.
فلماذا تحاربون، وماذا جنيتم من حروبكم، أهناك بناء من الحرب، أم هدم ودمار وتحطيم؟
فإن كانت هناك فرحة نصر لشعب قد انتصر في الحرب، فبالتأكيد هناك صراخ وعويل ونوح وبكاء شديد للطرف الآخر المهزوم.
فما هو النفع؟ وما هو الإنجاز الذي تحققونه من هذه الحروب الدامية المميتة القاتلة.
ماذا تجنون عندما تقتلون أطفالاً أبرياء ما النفع من ترمل النساء، ما الفائدة إن كنت تعمّر على حساب خراب الطرف الآخر؟
أهذه حكمة أن تدمر غيرك لتعمر نفسك؟ أهي حصافة فكر أو حكمة عقل، أم فرح للنفس عندما ترسم الكآبة والحزن على وجوه الآخرين من أجل أن تشعر أنت بالسعادة.
وفي النهاية أنت أيضاً ستترك كل ما اغتنمته من غيرك وسترحل ولن تعود، وحتى أولادك وذريتك الذين سوف تترك لهم إرثك، فهم سيرثون ما اغتنمته على حساب سفك الدماء.
الحرب يا صديقي ليست عمار، بل خراب فقط، ليس من عمار في الحرب، فأنت تصنع السلاح لتقتل به نفساً، لترمل به امرأة، لتقتل به شيخاً وطفلاً ورشاباً وفتاةً.
أنت بالتالي لا تعمر بل تهدم، أنت تحقق نصراً زائفاً، بل أنت واهم أنك تنتصر، ولكن النصر ليس لك بل لعدو الخير الذي انتصر على نفسك وساقك لتتبعه في الشر والدمار والتخريب.
ثم يحضرني سؤالاً آخر: هل استنفزت كل محاولاتك لتحقيق رغباتك بالسلم حتى تلجأ إلى الحرب الشعواء؟.
هل تشاورت مع رؤساء وحكماء وأصحاب العقول المفكرة واستشرتهم إن كان من الحكمة أن تشن حرباً أم لا؟
بالتأكيد لم تفعل ذلك، بل أنت اتخذت الطريق الأسرع والأعنف وتخيلت وتوهمت أنك إن لم تبدأ بالحرب فسيحاربك الآخرين.
مع أنه مجرد وهم في عقلك أنت فقط، لكنك تحتاج لأن توقف ما بدأته من حرب وخراب ودمار للنفوس وللأرض أيضاً.
عُد إلى رشدك وأوقف الحرب واطلب السلام حتى لا تخسر أحد.
فاعلم جيداً أن لا أحد يوافقك على التخريب الذي فعلته، ولن يسمح لك أحد أن تستمر في هذا الدمار الذي تسببت فيه، ولن يسامحك أحد على الدموع التي تسببت فيها لمن فقدوا ذويهم بسبب جشعك وطمعك.. فعدّ إلى أدراجك.
وإن كنت حكيماً فأنت حكيم لنفسك، وإن استهزأت فأنت وحدك تتحمل.