بقلم الموسيقار والملحن/ ميشيل صابر
دعيت إلى حفل زواج في إحدى القاعات الكبرى بالقاهرة، وبعد التهنئة والسلامات للمدعوين أمثالي، جلست مع أحد الأصدقاء في سرور نحاول أن نتحدث وسط ضجيج الموسيقي العالي والأغاني الحديثة المشبعة بالإيقاعات المحفزة على الرقص فقط.
حتى انضمت إلينا مجموعة من خمسة أفراد أغلبهم من الشباب اليافع، الذين قدموا كثير من القفشات والضحكات السخيفة، والكلمات التي ليس لها معني ولا مفهوم إلا عندهم فقط، و لكني أنا وصديقي الكهل نحاول أن نضحك لضحكاتهم و نجاري قفشاتهم حتي لا نكون متخلفين أمامهم.
ولأنني كنت أعاني كثيراً لسماع حديث المشاركين لي في المنضدة الواسعة، ظهر عليَّ بعض الضجر من شدة الصخب الموسيقي المطروح في القاعة.
فلاحظني أحد الشباب، وأراد مناوشتي، فسألني إن كنت متضايق من الأغاني المعروضة. فجاوبته بقليل من الحكمة لأنني أعرف أنه ينتمي إلى هذه الأغاني، وقلت له لا…. “فقط لا أستطيع أن أميّز الكلمات لارتفاع حدة الإيقاع علي الصوت.
فجاوبني قائلاً: مش مهم الكلمات، المهم اللحن والإيقاع، المهم ما يجعلنا نرقص ونفرح، هذا هو المطلوب في هذا الفرح”.
فقلت له: “إذاً لا داع للمغني، يكفي أن تكون موسيقي بدون مغنٍ وبهذا تحقق ما ترجوه”.
واكملت: “في عصرنا كنا نسمع أن هناك صراعات ومجهودات وجلسات مطولة لمناقشة كلمات الأغنية حتى تخرج للناس في أفضل صورة.
فضحك الأخ الشاب ضحكة عالية وقال: الأغاني القديمة “ماتت خلاص“
فاستفزتني هذه الكلمة كثيراً. واستأذنت وخرجت من القاعة متجهاً لبيتي وكل الطريق لا أسمع غير هذه الكلمة تتكرر وتصخب في أذني، حتى أتت الساعة الثانية بعد منتصف الليل وصديقي الكهل الذي كان معي على الطاولة في الحفل يتصل بي ليطمئن عليَّ. فطلبت منه إن كان يعرف رقم تليفون الشاب المستفز، فأعطاها لي وأنهيت معه المكالمة سريعاً وظللت أكتب لهذا الشاب في الواتس آب أقول له.
إن كانت “ماتت خلاص” فانظر وفكر وأسأل نفسك، هل يأتي شهر رمضان المبارك في كل عام دون أن تردد أنت “رمضان جانا” لعبد المطلب, و”ليلة العيد” لأم كلثوم في كل عيد. هل يأتي نجاح في الثانوية العامة أو تخرج من الجامعة أوأي نجاح إلا ويصاحبه “الناجح يرفع إيده” لعبد الحليم حافظ، هل يأتي عيد الأم بدون “ست الحبايب يا حبيبة ” لعبد الوهاب، أو فايزة أحمد، أو زفة العروسين في زفافهم إلا “بدقوا المذاهر” لفريد الأطرش والذي أبدع أيضاً بأغنية “الربيع” التي ختمت علي هذا الفصل من كل عام.
هل توجد خطوبة بدون “يادبلة الخطوبة ” لشادية؟.
وإن كنت لا تتجاوب مع كل هذه الأغاني الأصيلة فعليك أن تقف شامخاً معتدلاً في احترام وهيبة حينما تسمع السلام الوطني المصري و”بلادي بلادي لك حبي و فؤادي” لسيد درويش.
وإن طرحت عليك أمثلة عديدة من المواقف والمناسبات الوطنية والدينية والإجتماعية و العاطفية، لا تجد فيها غير الأغاني القديمة.
وأخيرأ هل لي أن أسألك.. هل تتذكر أغنية واحدة لأحد المغنيين الذين تشجعهم من عام واحد فقط؟.
سامحني …. كل الأغاني غير الأصيلة مكانها صفيحة النسيان، إنها تموت، لقد كتب عليها الموت يوم ولادتها، أو “ماتت خلاص” وأما الأصيل فسيعيش خالداً.