صبحة بغورة
يطوي الزمان صفحاته، الواحدة تلو الأخرى، وتمرّ الأحداث سريعاً بحلوها ومرها، ولكنها في كل الأحوال ستبقى راسخة في الذاكرة الجماعية يسجلها التاريخ للبشرية بما لها من فضائل وما عليها من آثام، لذلك تتعظم الدهشة عندما تجري أحداث على نحو يشابه أخرى مضت منذ سنين طويلة احتفظ منها الضمير الجمعي بالعبر بنفس الظروف والأسباب تكون نفس النتائج.
• لعل ما يؤثر بعمق في النفس أن يضطر البشر إلى معايشة ظروف استثنائية صعبة كتلك الأحداث التي لا تطيقها الطبيعة الإنسانية ،فالإنسان مجبول على الخير وعلى حب كل ما يحقق له الخير والأمن والسلام ، ولكن في المقابل شهد تاريخ البشرية وما زال سلسلة لا نهاية لها من تصفيات جسدية تقوم بها أطراف في أبناء وطنها وفي خارجه سراً وعلانيةً، يكنّون العداء لخصومهم السياسيين، والكتاب والمفكرين، ورجال العلم لإرهاب أنصار الضحية وإسكاتهم أو توجيه رسالة إلى آخرين مفادها أن يد الانتقام والتأديب” طويلة، إنها ببساطة عمليات الاغتيال السياسي.
” لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، فإذا كنت رجلا فقم بتحقيق ذلك بنفسك، كن مسلماً ومهذباً وأطع القانون واحترم الجميع، لا تجعل أي شيء يحول دونك ورؤية الحقيقة فالخطأ يبقى خطأ بغض النظر عمن صنعه أو فعله ..”هذه بعض كلمات مالكوم أورليليتل إكس، أو الحاج مالك بعد إسلامه الذي اعتبر من أهم الشخصيات الأمريكية المسلمة والبارزة منتصف القرن الماضي، وكانت حياته القصيرة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة حول الدين والعنصرية، وتم اعتباره شخص محرض على العصيان والفوضى ونتج عن ذلك اغتياله يوم 21 فبراير 1965 من طرف أحد طلابه وقت إلقائه إحدى محاضراته الجامعية بعد إصابته بست عشرة رصاصة اخترقت جسده النحيل ليتدفق الدم بغزارة وتخرج الروح من سجن الجسد .
• تمر بالأمم والشعوب شخصيات تؤثر بالسلب أو الإيجاب في تاريخ كل أمة، والتاريخ حين يسجل مسيرة كل شخصية سياسية وعملها فإنه لا يرحم ، فهو يضع كل شخصية في الميزان.. ميزان دقيق محكم يعطيها ما لها من حقوق ويحاسب ما عليها من مظالم .. هناك شخصيات هزت البشرية بإنجازاتها وأعمالها السياسية ، وعندما نقلب في أعماق التاريخ نكتشف عظمة بعض من صنعوا تاريخ الأمم لكونها شخصيات تاريخية ، وشخصيات أخري يوصفون بالديكتاتوريين ومجانين الحكم أوصلوا شعوبهم إلى حافة الهاوية والفناء .
يعتبر أشد المتشائمين كان من أدولف هتلر زعيم النازية في ألمانيا، وبنينو موسوليني زعيم الفاشية في إيطاليا أكبر الحكام الطغاة الذين أفسدوا الأرض روح السلام والأمان في العالم ، ولكن بصمات الصهيونية كانت ثابتة تشهد عليهم تآمرهم على الشعوب والأنظمة.
بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى 1914 ــ 1918 رفض اثنان من مستشاري الحكم في ألمانيا التوقيع على معاهدة فرساي المذلة، فقام بتوقيعها أحد المستشارين اليهود راثنوميوانخ، قائد وزعيم الجبهة الشعبية المعارضة وبعد اغتياله عام 1923ظهرت حركات المقاومة السلبية للعمال بتحريك من أياد يهودية خفية أشعلت معها أزمة اقتصادية ألمانية حتى أخذ الشعب الألماني يدرك معها أن النظام الديمقراطي البرلماني فاشل ..
في عام 1916 كان اليهودي حاييم بن عزرا وايزمان يعمل أستاذا للكيمياء العضوية في جامعة مانشستر بإنجلترا وتمكن بذكائه واجتهاده المعملي من اختراع طريقة لاستخراج سائل الأسيتون من دقيق الذرة، وهو السائل الذي يستخدم في اذابة النتروجليسرين لصناعة مادة الكوردايت المفرقعة التي لابد منها لحشو الرصاص والقنابل وطلقات المدافع وكان هذا الاختراع مواكبا للغليان العسكري بين الحلفاء ودول المحور مما رجح كفة دول الحلفاء، اعتبر وايزمان بطلا قوميا فقرروا مكافأته بأي شيء يطلبه ، وجاء طلب الرجل مفاجئا فقد رفض يكون ملكا على جزيرة من الجزر التي تسيطر عليها بريطانيا آنذاك ، ورفض القصور والهدايا ، وان كل ما طلبه بتواضع شديد وأدب جم هو وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
كانت ألمانيا قد نشرت في عام 1919 كتابا يفسر الخطة اليهودية للسيطرة على العالم بعنوان ” بروتوكولات حكماء صهيون ” وسارع تيودور هرتزل أول مؤسس للصهيونية وأول ماسوني يبني وطنا لليهود إلى نشر مذكراته وظهر كمن يلعب على الحبلين ، تارة مع إنجلترا وتارة مع ألمانيا، ومع علم اليهود لكره هتلر لهم بسبب تحريكهم للفوضى فقد سهلوا له خفية الطريق لتولي قيادة البلاد في 1933ومن ثمة استغلال كرهه لهم لإظهارهم في صورة المضطهدين المجبرين على الهجرة والفرار من قبضته إلى وطنهم المزعوم )فلسطين (وقامت الصهيونية بتسريع وتيرة الهجرة اليهودية نحو فلسطين التاريخية. في فلسطين تبلورت اليهودية بين الشخص اليهودي التوجه والشخص اليهودي المعتقد ، فالأول غالبا شخص عادي أوقعته مغامراته ونزواته في براثن اليهود فسيطروا عليه ، والقليل منهم يخدمون اليهودية إما عن قناعة وإما عن كراهية ونكاية في العرب والمسلمين ، أما الشخص اليهودي المعتقد فهو شيء مختلف تماما من حيث اعتناق الفكر التلمودي والإيمان بأرض الميعاد والوثوق بأن اليهود هم شعب الله المختار، وعلى كل حال الأهداف اليهودية ثابتة وإن اختلفت السبل ، ويشرح حزب العمل التوجه الجديد للصهيونية لتحقيق الأهداف الصهيونية بصورة أكثر رسوخا وأقل تكلفة عن طريق النفوذ الاقتصادي، وأن الطريق إلى إسرائيل الكبرى يمر عبر الحروب والمجابهات العسكرية أما طريق إلى إسرائيل العظمى فيمر عبر الدبلوماسية والتلويح بالقوة ومن هنا ظهرت فكرة شرق أوسط جديد، وعلى ذلك فكلا من اليهودي التوجه واليهودي المعتقد جاهز لحرق العرب والقضاء على المسلمين ، والفارق الوحيد بينهما هو أن الأول ذاتي الاشتعال، ولما كانت الديانة اليهودية لا تقبل دخول وافدين عليها لأنها خاصة بشعب الله المختار وباقي البشر عبيد فقد كانت المخططات اليهودية منذ الأزل ترمي إلى تحويل أكبر عدد ممكن من البشر إلى يهودي التوجه.
لقد أذاق زعيم النازية أدولف هتلر اليهود أفظع أساليب التعذيب والمهانة وانتهى أمرهم على يديه بالحرق داخل الأفران وهي عملية إبادة جماعية تعرف بالمحرقة ” الهولوكوست” والأساليب الصهيونية حاليا بحق الشعب الفلسطيني نفسها التي مروا بها في ألمانيا، الهروب الاضطراري ، واغتصاب الأراضي ، الملاحقات الأمنية ، والقتل والتشريد ثم التهجير تحت وقع المحرقة الإسرائيلية الكبرى، والهدف الأعظم هو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى الذي يظهره العلم في شريطين يمثلان نهري الفرات و النيل وما بينهما نجمة داوود دلالة على مساحة الوطن الإسرائيلي المزعوم .