شارك مع أصدقائك

أستراليا اليوم

ليس مفهوماً، في كثير من الأحيان مغزى التصريحات التي يدلي بها مسؤولون لبنانيون، فهي من باب “شو في ما في”، وكأنّ المرء يحتاج إلى ضرب بالرمل لكي يعرف المقصود منها. وربّما تكون التناقضات حاضرة أيضاً في المواقف التي يدلي بها المسؤولون اللبنانيون أمام المراجع الدولية، ما يؤدي إلى إحراج وإرباك، وعدم فهم للمضمون الحقيقيّ.
فعندما استشهد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، أجمع الزعماء اللبنانيون “من البابوج للطربوش” على ضرورة التحقيق في الجريمة النكراء والكشف عن الفاعلين، لكن عندما تشكلت المحكمة الدولية، قامت القيامة، لمنع التحقيق وكشف الفاعلين. وبعد انفجار المرفإ المشؤوم، سمعنا الأسطوانة نفسها، حتّى تعيين المحقق الأول الذي طار من غير جناحين، ثم المحقق الثاني الذي يعاندُ تطييره، ويصرّ على عدم الإفلات من العقاب.
واللبنانيون ليسوا غافلين عن كليشيهات أصبحت مثل العلكة، ولا تصريف لها في موازين العدل والحقيقة. فما معنى الميثاقيّة؟ وما معنى الحوار؟ ولماذا تُستخدم هاتان الصيغتان مرّة عندما يتعلق الأمر بمصلحة فريق معيّن، ويُستغنى عنهما مراراً عندما تناقضان مصلحة هذا الفريق؟

بالأمس أصرّ الرئيس نبيه بري على الحوار لاختيار رئيس للجمهورية، في اجتماعه مع سفراء دول الخماسية، المعنيّة بملف الرئاسة. وأجمعت وسائل الإعلام على أن الرئيس برّي “عطّل” المبادرة الدولية التي يبدو أنها اقترحت اسماً ثالثاً، أو حلاً وسطاً. وموقف الرئيس بري حازم جازم: الحوار على مرشح واحد. وهذا غير منطقي، ولا يقبله تفكير الجانب الآخر، الذي يعتبر أن الحوار لا يكون بهذا الشكل، بل على صيغة توافقية، وحل وسط يرضي الطرفين الشريكين في البلاد. ثمّ لماذا الحوار مطلوب على رئيس الجمهورية وليس مطلوباً على قضايا أخرى ليس هناك إجماع من قبل اللبنانيين عليها ؟
وما تصريحات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلا جزء من هذا الاتّجاه، والتأكيد على العودة إلى الدستور لانتخاب رئيس، فليس كل مرّة تسلم الجرّة. ولا يجوز تعطيل البلاد كلّها بانتظار الحوار المفروض خارج النص الدستوري، القائل بضرورة وحتمية التئام مجلس النواب حكماً، لانتخاب رئيس في حال خلو سدة الرئاسة. والبلد الآن بأمسّ الحاجة لانتخاب رئيس، في ظل ما يجري من تغييرات في الشرق الأوسط. وإذا كان البعض يراهن على المجهول لإيصال رئيس، فنحن نخشى أن تسير الرياح بعكس ما تشتهي سفنه. أمّا الاعتراض الأميركي على التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان، فليس جوهريّاً، بل هو اعتراض شكلي، إعلامي، يتصل بانتخابات الرئاسة الأميركية. ويجب أن نتعلم نحن من الدروس، فالمعارضة الأميركية لإسرائيل في غزة لم تفعل شيئاً، وهذا ينسحب على خطة جهنمية معدّة بإتقان، لتغيير الخريطة كلها، ولبنان ليس بمنأى عنها.
إذن، نحن على أبواب عاصفة، عنوانها القرار 1701، وتنفيذه كاملاً. فغريب جداً أن تصدر تصريحات من أطراف لبنانية تعبّر عن التمسك بهذا القرار بالنواجز والأضراس، وفي اليوم نفسه توحي بأن الجيش اللبناني غير قادر علىالإمساك بالوضع في الجنوب.
لقد سها عن بال هؤلاء، أنّ القرار 1701، يلحظ مشاركة فعلية بين الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وهذه المشاركة ما تزال قائمة الآن. وتحتاج عملية الانتشار جنوباً إلى 7 آلاف إلى 10 آلاف جندي. فهل ننتظر مئة سنة لتحقيق هذا الرقم المعجزة؟!
المطلوب قرار لبنانيّ غير متوافر حاليّاً، بضغوط وأجندات خارجية، بينما ترتفع وتيرة الحرب والتهجير والمعاناة، في بلد ليس لأبنائه قدرة لإصلاح نافذة محطّّمة، فكيف إذا جَرّت الحرب دماراً كالذي شهدناه في غزّة. فهل من يعتبر؟
ج. د.