شارك مع أصدقائك

دور أستراليا المتغير – سياسة

ليس من المعتاد أن تحتل السياسة الخارجية والدفاعية موقعًا متقدمًا في الأجندة السياسية الأسترالية، حيث تهيمن القضايا الاقتصادية عادةً على الحملات الانتخابية. ورغم اختلاف وجهات النظر بين الأحزاب الكبرى حول السياسة الخارجية، إلا أن هناك إجماعًا واسعًا على المبادئ الأساسية للاستراتيجية الأسترالية، بما في ذلك التحالف مع الولايات المتحدة.

أستراليا بين قوتين عظميين

في السنوات الأخيرة، وجدت أستراليا نفسها محصورة بين قوتين عالميتين: الولايات المتحدة، الضامن الأمني الرئيسي لها، والصين، الشريك التجاري الأكبر. وتزايدت التساؤلات حول كيفية موازنة هذه العلاقات، في ظل المنافسة الاستراتيجية المتصاعدة بين واشنطن وبكين، خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

قوة متوسطة بتأثير كبير

على الرغم من أن بعض الدول تتمتع بدور واضح على الساحة الدولية، فإن الدول المتوسطة مثل أستراليا تحدد مكانتها وفقًا لمصالحها الوطنية وظروفها الجيوسياسية. ووفقًا لاستراتيجية الدفاع الوطني الصادرة عام 2024، تُعتبر أستراليا “قوة متوسطة مؤثرة”، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها:

  • القيم الديمقراطية الراسخة.
  • الالتزام بدعم النظام الدولي القائم على القوانين.
  • قوة الاقتصاد الأسترالي.
  • العلاقات الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الجدل حول تصنيف أستراليا

لطالما كان تصنيف أستراليا كـ “قوة متوسطة” موضع نقاش سياسي. بينما تتبنى بعض الحكومات هذا الوصف، تفضل حكومات أخرى مصطلحات مثل “قوة محورية” أو “دولة ضمن العشرين الأوائل” لتعكس نفوذ أستراليا العالمي. وبغض النظر عن التسمية، فإن قوة الدول المتوسطة تتشكل من خلال سياساتها الخارجية، وقدرتها على بناء التحالفات، وتوظيف قوتها الاقتصادية والاستراتيجية.

التحالف مع القوى العظمى

لطالما اعتمدت أستراليا على “أصدقاء كبار وأقوياء” لضمان أمنها، بدءًا من بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية، ثم الولايات المتحدة عبر معاهدة “أنزوس”. ورغم هذا التحالف، ظلت هناك مخاوف أسترالية بشأن إمكانية تخلي الحلفاء عنها في أوقات الأزمات، خاصة مع تنامي القوة الصينية والتغيرات في السياسة الأمريكية.

تحول أستراليا إلى قوة إقليمية في المحيطين الهندي والهادئ

في مواجهة التحديات الجديدة، تعمل أستراليا على تعزيز دورها كقوة إقليمية عبر:

  1. الترويج لمفهوم “الهندي-الهادئ” لضمان استمرار النفوذ الأمريكي في المنطقة.
  2. إعادة توجيه أولوياتها الدفاعية نحو محيطها القريب، بعد عقود من المشاركة العسكرية في الشرق الأوسط.
  3. تعزيز التحالفات الصغيرة مثل “الرباعية” (مع اليابان، الولايات المتحدة، والهند) و”أوكوس” (مع الولايات المتحدة وبريطانيا) لتعزيز الأمن الإقليمي.

الحاجة إلى رؤية استراتيجية جديدة

بينما يساهم هذا التحول في تعزيز العلاقات الدفاعية الإقليمية، إلا أنه يثير تحديات، منها:

  • المخاوف من تركيز أستراليا على الأمن العسكري دون استثمار كافٍ في الدبلوماسية والتنمية الإقليمية.
  • الحاجة إلى تحديد مصلحة أستراليا المستقلة عن المصالح الأمريكية، لتجنب الانجراف غير المقصود نحو نزاعات إقليمية.
  • ضرورة تبني رؤية أمنية شاملة، لا تقتصر فقط على “التهديد الصيني”، بل تشمل قضايا مثل التغير المناخي والتعاون الإقليمي الأوسع.

إن مستقبل أستراليا كقوة إقليمية يعتمد على قدرتها على تحقيق التوازن بين مصالحها الاقتصادية وأمنها القومي، وبين تحالفاتها التقليدية واستقلالية قرارها الاستراتيجي. وفي ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، سيكون من الضروري لأستراليا تطوير مقاربة أكثر شمولية ومرونة لمكانتها الدولية.

المصدر: