بقلم الدكتور الشيخ/ مصطفى راشد
لِلِرَدِّ عَلَى السُّؤَالِ الْوَارِدِ لَنَا عَبْرَ مَوْقِعِنَا عَلَى الْإِنْتَرْنِتْ مِنْ الشَّيْخِ – عَبْدِ اللَّهِ آلِ شَيْخٍ مِنْ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ عَنْ الْوَضْعِ الشَّرْعِىِّ وَالْحَدِّ الْأَقْصَى لِعَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْعَدْلُ بَيْنَهُمْ وَمِنْ سَائِلٍ آخَرَ يَقُولُ هَلْ يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوَاجِ زَوْجِهَا بِأُخْرَى ؟
وَ لِلْإِجَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ نَقُولُ :- —-
لِعَدَمِ وُجُودِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مُوَثَّقَةِ السَّنَدِ فِى هَذَا الْمَوْضُوعِ عَلَيْنَا أَنْ نَذْهَبَ لِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى الْآيَةِ 3 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ) ص ق.
وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ فَفِى قَوْلِهِ الْيَتَامَى هُوَ تَخْصِيصُ الْفِعْلِ فِى حَالَاتِ الْيَتَامَى ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ عَامٌّ أَوْ عَلَى اطِّلَاقِهِ؛ وَنَزَلَتْ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ أَنْ زَادَتِ الْبَنَاتُ وَالسَّيِّدَاتُ اللَّائِى فَقَدنَ الْعَائِلَ فِى الْغَزَوَاتِ.
ثُمَّ يَاتِى تَقَيَّدُ التَّعَدُّدَ لِمُثْنَى وَثَلَاثُ وَرُبَاعٍ بِقَوْلِهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً، وَهُوَ مَا يسَمَّى بِالشَّرْطِ الْمُسْتَحِيلِ، الَّذِى يُنْفَى وَيَمْنَعُ التَّعَدُّدَ، لاسْتِحَالَةِ عَدْلِ الرَّجُلِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِى نَفْسِ الْوَقْتِ، فِى كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى النَّظْرَةِ أَوْ الْبَسْمَةِ، وَالْعَدْلُ الْكَامِلُ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ ابداً، وَهُوَ مَا يِعُنِي أَنَّ الْقَصْدَ الْإِلَهَى يُرْشِدُنَا وَيَطْلُبُ مِنَّا الِامْسَاكَ وَالِاحْتِفَاظَ بِزَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَثْنَيْنِ فِى ذَاتِ الْوَقْتِ لِإِسْتِحَالَةِ الْعَدَالَةِ.
وَبَعْدَ مُرُورِ حَوَالَى عَامٍ مِنْ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ 3. اشْتَكَتْ لِسَيِّدِنَا النَّبِىِّ صِ بَعضُ السَّيِّدَاتِ (اللَّائِى تَزَوَّجْهن رجالٌ كمَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) منْ عَدَمِ عَدْلِ الرِّجَالِ مَعَهُنَّ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ 129 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِى أُكِّدَتْ عَلَى إِسْتِحَالَةِ شَرْطِ الْعَدْلِ الْمَذْكُورِ بِالْآيَةِ 3 بِكَلَامٍ لَا يَقْبَلُ الْمُنَاقَشَةَ يُعَدُّ مُنْكِرُهُ خَارِجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ قَطْعَى الدَّلَالَةِ حَيْثُ قَالَتْ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)، أَىْ انْتَهَى الْأَمْرُ وَالسَّمَاحُ الْمَشْرُوطُ لِإِسْتِحَالَةِ تَحَقيقِ شَرْطِ الْعَدْلِ الَّذِى قَالَتْ بِهِ الْأَيَّةُ 3، وَهُوَ كَلَامٌ وَاضِحٌ قَاطِعٌ يَتَجَاهَلُهُ أهل الْفِقْهُ الذُّكُورَىُّ عَمداً مِنْ مِئَاتِ السِّنِينَ.
لِذَا عَلَى الْحَاكِمِ وَالْمُشَرِّعِ أَنْ يَضَعَ الْقَوَانِينَ الَّتِى تَمْنَعُ التَّعَدُّدَ، وَإِلَّا سَيَكُونُ إثَمًاً لِعَدَمِ امْتِثَالِهِ لِلْقَصْدِ الْإِلَهَى، أيْضاً يَأْثَمُ أَىُّ رَجُل دِين يُفْتَى بِاسْتِمْرَارِ التَّعَدُّدِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ 129، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ قَوْلَ سَيِّدِنَا النَّبِىِّ صِ (مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).
كَمَا أَنَّ كُلَّ زَوْجٍ يَجْمَعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ زَوْجَةٍ يُعَدُّ هُوَ وَهُن يَعِيشُونَ فِى الْحَرَامِ، وَتَنْصَبُ عَلَيْهِمْ لَعنَةُ اللَّهِ.
عَافَانَا اللَّهُ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ وَهَذِهِ الْمَعصِيَةُ الْكَبِيرَةُ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَوْلَادٍ فِى الْحَرَامِ وَفَسَادِ الْمُجْتَمَعِ وَفَقْرِهِ وَإِنْتِشَارِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَانْعِدَامِ الضَّمِيرِ وَسُوءِ السُّلُوكِ وَالْأَخْلَاقِ وَتَفَشَّي الْمَرَضَ.
أمَا بِالنِّسْبَةِ لِمُوَافَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوَاجِ زَوْجِهَا بِأُخْرَى، فَهَذَا حَقٌّ أَصِيلٌ لِلزَّوْجَةِ مِنْ خِلَالِ عَقْدِ الزَّوَاجِ الَّذِى جَمَعَ بَيْنَ رُوحَيْنِ بِشَرْعِ الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالدَّيْمُومَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ شَرِيعَةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أنْ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا إِلَّا إذَا نَصَّ عَلَى هَذَا الْبَنْدِ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ؛ وَهُوَ أنْ يَكُونَ لَهُ الْحَقُّ فِى الزَّوَاجِ بِأُخْرَى دُونَ مُوَافَقَةِ زَوْجَتِهِ.
أمّا إذَا تَزَوَّجَ بِأُخْرَى دُونَ عِلْمِ زَوْجَتِهِ فَهَذَا يُعَدُّ إخِّلَالا بِالْعَقْدِ مِمَّا يُسْقِطُ الْعقَدَّ وَيَجْعَلُهُ مَفْسُوخاً شَرْعاً وَقَانُوناً.
وَعَلَى الْمُشَرِّعِينَ بِمَجْلِسِ الشَّعْبِ سِنُّ الْقَوَانِينِ اللَّازِمَةِ لِذَلِكَ لِحِمَايَةِ حُقُوقِ الطَّرَفَيْنِ، حَيْثُ سَاوَى اللَّهُ بَيْنَهما؛ وَلَا يَجِبُ انْ نَجْعَلَ شَرْعَ اللَّهِ لُعْبَةً حَسَبَ رَغْبَةِ وَتَفْسِيرِ الْفِقْهِ الذُّكُورِىِّ.
فإذَا لَمْ تُوَافِقْ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوَاجِ الرَّجُلِ مِنْ أُخْرَى يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى؛ لَكِنَّ الْجَوْرَ وَالظُّلْمَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ وَخُصُوصاً الزَّوْجَةَ مُنْهى عَنْهُ شَرْعَاً.
اللَّهُمَّ بَلَغْتِ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ
د مُصْطَفَى رَاشِدٍ.
عَالِمٌ أَزْهَرِى وَأُسْتَاذُ الْقَانُونِ
تَ وَوَاتِّسَابْ. 61478905087