منذ زمن بعيد وكلمة «الكرامة» هي شماعة الشعوب وحجة الانتفام والطفرات السياسية والانتفاضات والثورات،
فكلّما هبّت جماعة بعمل سياسي أو فدائي يطلقون عليه «استرداد الكرامة»، «يوم الكرامة»، «كرامة الشعب»،
وهكذا في معظم الدول العربية التي لم تفهم أن الكرامة ليست شيء يغتصب وإنما شيء يُمنَح من الآخرين، فالكتاب المقدس يقول «ليمدحك الغريب.. لا فمك».
فلا تبني لنفسك برجَ كبرياءٍ وتُطْلِقُ عليه اسم «الكرامة»، لأن الكرامة اتضاع وليست تعالياً، ولا تُطْلِقُ على نفسك أنك صاحب كرامة، فالكرامة لا تُغتصب، ولكن دع الآخرين يكرّموك ويعطونك تلك الكرامة..
ولكن المفهوم المنطقي عن الكرامة هو:
أصلها «كَرُمَ» أي الجوهر النفيس كثير الثمن.
فمن منّا يشعر بنفسه أنه جوهر نفيس كثير الثمن؟ الحق أقول أن مَنْ يشعر بنفسه أنه جوهر نفيس كثير الثمن إنما هو متكبر ومتغطرس ولا كرامة له. ولكن جوهرك النفيس كثير الثمن يجب أن يشعره الناس فيك ويلمسونه في تصرفاتك، ومن خلال ذلك يهبوك الكرامة ويصفوك بأنك شخصٌ مكرّمٌ.
فليس من شعب يبني لنفسه «الكرامة» بحسب ما يريد أن يقوم به من أعمال وثورات وتظاهرات وكله يندرج تحت عباءة الكرامة، ويعلّقون كل تصرفاتهم على شماعة الكرامة.
بل إن أراد شعباً أن تكون له كرامة، فليكن كريماً، إن أراد أن يكون مكرّماً فليكن جوهره نفسيا وكثير الثمن.
فالشعب الكريم صاحب الجوهر النفيس هو شعب ذا كرامة وعزة وشموخ، وهو لم ينعت نفسه بهذه الصفات بل مَنْ يرونه ينعتونه بهذه الكرامات لأنه شعب يستحق.
فيا شعوب العالم لا تنعتوا أنفسكم بأن لكم كرامة، بل لتشهد أعمالكم عنكم ولتنضحوا بما في آنيتكم من جواهر نفيسة وعزة واحترام وتقدير للآخرين، عندئذ ستكون لكم «كرامة».