يحقّ للبنان أن يفوز بجائزة دولية، بصفته أوّل الراكضين العرب في سباق الماراتون إلى الحرب، بينما دول عربية، وغير عربية، تملك الجيوش الجرّارة، والصواريخ الباليستية، والطائرات المقاتلة من آخر طراز، لا تتقدم خطوة واحدة… سباق بالتزكية، وجائزة بألف جائزة.
دعونا من كلّ هذا، ولنسأل: هل نحن فقط المكلّفون بالمواجهة؟ وأين المحاور التي سمعنا عنها؟ ولماذا الصغير دائماً هو الضحيّة والآخرون يتفرّجون ويذرفون عليه الدموع؟ وهل أيّ دولة في العالم لها وضع كوضع لبنان، هو أشبه بالدمار النهائي، يُطلب منها أن تكون أوّل الراكضين؟
لقد تصاعدت الدعوات من أطراف معروفة، كالكتائب اللبنانية، والقوات اللبنانيّة، والتيار الوطني الحر، ووليد جنبلاط، ونواب مستقلين، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، ووزراء في الحكومة… كلّها تصب في إطار تجنيب لبنان ويلات الحرب، وهو ليس “فوق النخل”، بل تحت الأرض بأشبار وأمتار، وليس معه ثمن إصلاح شبّاك مكسور، والدول هذه المرة لن تقدم قرشاً واحداً، فالمطار إذا ضُرب، سيبقى ثلاثين سنة مدمّراً، ومثله الكهرباء والمياه والمشاريع والمراكز الحكومية، و… و…
فأين الدولة القويّة، والبنى التحتيّة، والتجهيزات المهيّأة لمواجهة التداعيات الخطيرة لحرب ضروس لا يبدو أنها ستكون عاديّة، بل سيصاحبها تدمير ممنهج، وهو الأسلوب الذي تعتمده إسرائيل في الأراضي المحتلة، وفي غزة على وجه الخصوص؟
ليس الدعاة إلى تجنيب لبنان أوزار الحرب خائنين، ولا هم متماهون مع الغرب أو الجانب الإسرائيليّ المحتلّ، وليس من صاحب ضمير يقف مع الإحتلال وقصف المدنيّين والترويع والتدمير. لكنّ المعارضين لزج لبنان هم ناس يخافون على ما تبقى من هذا الكوخ المتداعي الذي لم يبق فيه سوى جدران مزعزعة، قد تكون عرضة للسقوط في أيّ لحظة.
والشعوب التي تتعلّم من دروس الماضي هي التي تنتصر، وليست تلك التي تتجاهل وتتعامى عن الحقيقة. ومن المخجل فعلاً أن تكون الدول التي تهدّد وترعد، وتقيم المناورات الضخمة، وتصرف البلايين على الجيوش، وتبشّرنا كلّ يوم بفرح عظيم، قد انكفأت، واكتفت بتصريحات متناقضة، وتركت مجموعات قتاليّة صغيرة، هنا وهناك، لتقوم بالمهمّة الفظيعة التي تعجز عنها أمم بحالها. ويحق لهذه المجموعات أن تشعر بخيبة أمل، وبطعنة في الظهر من ذوي القربى، فكأنّها تعرّضت لخدعة، وعندما اندلعت المعركة وجدت أنّها وحيدة في الميدان. وبينما يقف العالم مع إسرائيل في حربها المدمّرة والفظيعة التي تقشعر لها الأبدان، ننقسم نحن بين مؤيّد ومعارض، ويخوّن واحدنا الآخر. وهذا الانقسام وحده يجب أن يكون عبرة ودرساً، فأوّل ما تحتاج إليه الدول أثناء المواجهة أن تكون شعوبها موحّدة في الموقف والإرادة!
ج.د