صابر مريد نان – موسوعة أستراليا اليوم
في 14 سبتمبر عام 1941، وُلد الأديب صابر مريد نان في بلدة البلينا بمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية.
نشأ في بيئة بسيطة، لكن شغفه بالعلم والثقافة كان واضحاً منذ الصغر.
رغم التحديات، حقق صابر ما يشبه الحلم في مسيرة مهنية وحياتية مليئة بالإبداع والإنجازات.
استند إلى مبدأ أساسي في حياته: التعلم الذاتي والثقافة المتجددة.
بداية الرحلة العلمية
التحق صابر مريد نان بكلية الآداب وحصل على ليسانس في الوثائق والمكتبات.
بدأ حياته العملية في مكتبات متعددة، منها مكتبة كلية التربية الرياضية في الهرم ومكتبة الدواوين، إلى جانب مكتبة نادي الوافدين في شارع القصر العيني ثم انتقل إلى شارع عماد الدين في القاهرة.
وفي هذه الأماكن، وجد نفسه محاطًا بكنوز من الكتب، فاستغل الفرصة ليثقف نفسه بنفسه.
فأصبح الكتاب صديقه الدائم، ينهل منه العلم في مختلف المجالات.
تميز في علوم التاريخ وتبحر في الأدب والفلسفة وعلوم الأديان والعلوم الإنسانية.
التطور المهني والفكري
تدرج صابر مريد في مسيرته المهنية حتى وصل إلى مرتبة خبير مكتبات في عدة مدن مثل القاهرة والسويس والإسكندرية.
حيث إن إتقانه للفهرسة والتوثيق جعله خبيراً معترفاً به في هذا المجال على مستوى الجمهورية، حيث تم تكريمه أكثر من مرة.
لم يقتصر تعليمه على ما درسه في الجامعة، بل اعتمد على نفسه في تعلم اللغات. فتعلم اللغات بنفسه ومنها: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، والإيطالية، وكان في أواخر أيامه يتعلم اللغة الإسبانية، لكنه رحل قبل أن يكمل رحلته معها.
الترجمة والإبداع اللغوي
لم يكتفِ صابر بتعلم اللغات، بل برع في استخدامها كمترجم، حيث ترجم العديد من رسائل دكتوراه وماجستير في مجالات متعددة.
عمل مترجماً في سفارة بلجيكا، ثم مترجماً خاصاً لسفير سنغافورة، حيث كان يتنقل معه من مكان لمكان ليقوم بالترجمة الفورية.
وكم من مرات أثار إعجاب الكثيرين في المءتمرات السياسية العليا، حينما كان يترجن من الإنجليزية إلى الفرنسية وبالعكس دون الحاجة للرجوع إلى العربية.
كما كان يقوم بالترجمة الفورية للمبشرين الأميركان والفرنسيين في الكنائس والجمعيات المصرية.
غير أنه عمل في منظمة اليونسكو كمترجم وكذلك المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مما أكسبه شهرة كبيرة كمترجم دولي.
بالتالي صار عضواً في نادي الرأي العام الدولي.
في المجال الأدبي
وفي المجال الأدبي، كتب صابر مسرحيات، قصص قصيرة، وأشعار بعدة لغات. وكان له حضور إعلامي بارز من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية.
كما أنه كان يُعتبر مرجعاً في تاريخ حياة الموسيقيين العظماء، فكان له العديد من اللقاءات في الإذاعة للحديث عن الطربين العظماء أمثال ملك العود الفنان فريد الأطرش وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والمطرب محمد الكحلاوي والفنانة نور الهدى التي كان كلما يتحدث عنها يقول كلاماً يؤثر في النفوس.
بالتالي تم انتخابه ليكون عضواً فعالاً في اتحاد الفنانين العرب.
الإسهامات في التعليم والثقافة
صابر مريد لم يكن فقط مترجماً وأديباً، بل كان أيضاً معلماً متميزًا.
حيث ألَّف كُتباً لتعليم اللغة الإنجليزية والفرنسية بطرق سهلة وبسيطة، مما جعلها متاحة لشرائح واسعة من الناس.
علم اللغات في المدارس الحكومية مثل مدرسة المبتديان ومدرسة الدقي ومدرسة المعلمات ومدرسة أم الأبطال في الهرم، وكذلك مدارس اللغات، وكان محط أنظار الكثيرين ممن كانوا يرغبون في الاستفادة من خبراته.
أما في مجال المكتبات، ألّف كتابه الشهير “صفحات من تاريخ الكتب والمكتبات”، والذي يُدرس حالياً في العديد من الجامعات المصرية. لم يكن مجرد موظف مكتبة؛ بل كان محباً للكتب وأدرك أن القراءة هي مفتاح المعرفة.
وتدرج في الوظيفة الحكومية إلى أن ارتقى إلى وظيفة مستشار المكتبات المصرية، ثم مدير التعليم العالي، وانتقل إلى المجد الأعلى على رتبة وكيل وزارة التعليم العالي في مصر.
صابر مريد نان والفن
إلى جانب عمله في التدريس والترجمة والمكتبات، كان صابر مريد نان فناناً موهوباً في مجالات فنية متعددة، حيث كان يرسم اللوحات الطبيعية ويخط اللافتات.
وهذا الشغف بالفن أضاف بعداً جديداً لشخصيته متعددة المواهب.
الحياة الأسرية والعطاء المستمر
تزوج صابر مريد نان في يوم ميلاده في 14 سبتمبر عام 1963، وأنجب ثلاثة أولاد ميشيل ومجدي وسميح «رئيس تحرير جريدة أستراليا اليوم» وبنتاً واحدة هي مريم. حرص على تعليمهم تعليماً عالياً، مكرساً حياته للعائلة والعلم.
والآن:
ميشيل صابر مريد نان : ورث منه الإبداع الفني، فبعدما حصل على ليسانس تربية، هو الآن يعمل في الموسقى وهو عازف عود وملحن، ولدية خبرة في تصليح الآلات الموسيقية.
ومجدي صابر مريد نان : ورث منه الترجمة والعقيدة المسيحية في آن واحد فحصل مجدي على بكالريوس في علم اللاهوت ثم الماجستير وأخيراً الدكتوراه في مجال العلوم اللاهوتي، وهو الآن معلم العقيدة المسيحية اللاهوتية ومترجم كتب ودراسات مسيحية، وعلم في كثير من كليات اللاهوت.
وسميح صابر مريد نان : ورث منه حب اللغات والعلم والإعلام، وحصل على بكالريوس خدمة اجتماعية ثم ليسانس أداب علم نفس، وفي أستراليا درس الإعلام وإدارة الأعمال.
وهو الآن رئيس تحرير هذه الجريدة أستراليا اليوم.
ومريم صابر مريد نان : وهي خريجة ليسانس حقوق وعملت فترة بالمحاماة وتزوجت وأنجبت بريتني.
رغم النجاحات عاش الغربة على الأرض
رغم النجاحات التي حققها، كان يشعر بغربة في حياته على الأرض، وكان يقول دائماً: «مكاني في السماء»، بالتالي كان صديقه في غربة هذه الدنيا هو الكتاب.
كان دائماً يستشهد بقول الشاعر أبي العلاء المعري: “أحب مكان في الدنى سرج سابح، وخير جليس في الزمان كتاب”، وهي العبارة التي تلخص فلسفته في الحياة.
الرحيل وترك الأثر
في 2 فبراير 2000، رحل صابر مريد نان عن هذا العالم بعد مسيرة مليئة بالعطاء. حيث اعتراه مرض السرطان الذي لم يرحمه.
وفي لحظاته الأخيرة، وصله خبر ترقيته إلى وكيل وزارة التعليم العالي، لكنه لم يكن مهتماً بالمناصب بقدر اهتمامه بالعطاء.
ترك صابر العالم ووراءه إرثاً غنياً من العلم والفكر، ولا تزال كتبه وأعماله مرجعاً لطلاب العلم والباحثين.
موسوعة علمية راحلة
لقد كان صابر مريد نان حقاً موسوعة علمية وثقافية متحركة، ورغم رحيله، ما زال أثره باقياً في الكتب والمكتبات التي أثراها بعلمه وخبراته.