شارك مع أصدقائك

أستراليا اليوم

ذات مرة كدّتُ أن أتنمر على شخص ثمين ذي قوامٍ مترهلٍ جداً،  ثم توقفت للحظة حتى أتذكر أنني أشبه الشاليمو، وأن وجهي ذو أنفٍ كبيرٍ أيضاً، وأكاد أن أشبه شخصية  (بينوكيو) ربما حين كذب ألف كذبة.

وكثيراً ما تنمر على أنفي المتنمرين أمثالي، وتذكرت كم أني كنت أراهم وقحون حين يفعلون هذا، حتى ولو كان على سبيل المزاح، كنت أتظاهر أنني لا أبالي، بل وكان من الممكن أن أبادلهم تعليقات أكثر إضحاكاً من تلك التي يتنمرون بها على شكل أنفي أو جسدي النحيف. 

 كنت أتنمر معهم على شكلي ولست أعلم لماذا كنت أفعل هذا، ربما كنت أفقدهم لذة تنمرهم أو ربما آكل نفسي قبل أن يأكلونني، بما أنه لا مفر من التنمر، فكنت أبادر به أنا، فخير لي أن أتنمر أنا على نفسي من أن يتنمر عليَّ أحدهم.

إنه أشبه بأن تلطم نفسك، فذلك أكثر كرامة من أن يلطمك شخص آخر، 

وبالطبع كنت مخطئ آنذاك.

فقد كنت أطعن معهم ثقتي بنفسي دون وعي، وكنت أضحك في العلن وأبكي في الخفاء.

ثم فكرت في الأمر حين نتنمر على شكل أو ملامح أو هيئة شخص ما،

وتذكرت هذا السمين المترهل الذي كنت على وشك التنمر أو الإسفاف عليه.

فأدركت أنه لا يمكن لنا أن نقذف الناس بالحجارة بينما بيوتنا من الزجاج

  وفكرت في هذا المثل مرة أخرى ثم قلت في نفسي:

“ولماذا نقذف الناس بالحجارة من الأساس حتى وإن لم تكن بيوتنا من الزجاج؟”، لسنا مضطرين لفعل هذا.

وإذا فكرنا، سنجد كيف أنه أحياناً ما نحسبه نوعاً من أنواع (التشوه الظاهري) أو بعض العيوب الظاهرية الجسدية فربما قد تكون لحكمة ما أو بهدف حمايتنا من الكبرياء المؤدي إلى الحماقة وحافز لنا لقبول واحترام الآخر بدلاً من التنمر عليه أيا كان شكله.

وتخيلت كم من القبح والكبرياء كان من الممكن أن تكون عليها بعض الشخصيات إن كانت وسيمة جداً.

أدركت أن الجمال يكمن فيما هو أعمق من الشكل، وأدركت جزءاً من سؤالٍ، كان حيرني، وكثيراً ما أردت أن أسأل الله عنه.

لماذا ليس كل البشر على درجة عالية من الجمال أو الجسم المثالي؟!

لماذا اختلت بعض الجينات الوراثية في البعض، مما أدى إلى ظهور بعض العيوب أو التشوهات الخلقية؟!

لماذا أحدهم سمين وآخر نحيف وآخر بشرته سمراء وآخر عنقه قصير وآخر قامته قصيرة، ولماذا ولماذا ولماذا ……؟!

وأدركت أنه ليس من المنصف أن ننتقد الناس أو أنفسنا فيما هو ليس بقدرتنا أن نتحكم فيه.

فالتشوهات تكون فيما صنعته أيدينا وفيما باستطاعتنا أن نغيره.

فأعتقد أن التشوهات تكون بالأحرى في الأخلاق والمبادئ وطريقة نظرتك للأمور وللأشخاص ولنفسك.

فرأيت أن النرجسية تشوه، الكبرياء تشوه، التنمر السخرية تشوه، قلة الذوق واللامبالاة تشوه.

فالحسد، الغيرة، النميمة، والحقد، جميعها تنتج من أشخاص مشوهين 

الكره، الانتقام، الضغينة، فرض السيطرة على الضعيف، الجشع، الطمع، التبجح، الفضول والمكر، كلها تُعَدُّ من القبح والتشوهات الحقيقية.

كذلك أيضاً، التشاؤم أو التفاؤل الزائد (اللاواقعية) تشوه.

ولكل منا نسبة من هذه التشوهات، وهذه النسب هي التي من شأنها أن تجعلك تتصف بالجمال أو القبح.

فكل ما هو به خلل أو عدم اتزان فهو تشوه.

وعلى إثر هذا المنطق اكتشفت كم أن جميعنا نعاني من التشوهات، فلا داعي للتنمر.

أما عن الشكل فكل عضو من أعضائنا هو معجزة حتى وإن لم يكن شكله مثالياً.

فلا يبدو شكل الأعضاء من الداخل جميلاً فتأملوا معي مثلا شكل الهيكل العظمي.

إنه يبدوا مخيفاً وقبيحاً وكثيراً ما استخدموه في أفلام الرعب، ولكن بدونه لأصبحنا كقطعة هلامية لا شكل لها.

لا أعتقد أيضاً أن الأمعاء شكلها يبدو عاطفياً، فهي تبدو مقززةً، ولكن بدونها لما كان هناك حياة ولا نمو ولا إتمام لعمليات الهضم ولا إخراج الفضلات التي إذا طال وجودها لقتلتك بالتسمم.

بل وأيضا بعض أنواع البكتيريا والكائنات المجهرية التي لا ترى بالعين المجردة، وحين رآها الباحثين تحت المجهر فلم تكن لها أشكال على أي درجة من الجمال.

كانت أشكالها غير مفهومة، ولكن وظائفها جبارة، فهي تدخل في عمليات تحليل الكائنات والخلايا الميتة وبعض البكتيريا الأخرى التي تدخل في بعض العمليات الكيميائية في الجسم وتساعد في عمليات التخمر وعمليات الهضم وعمليات أخرى كثيرة لها دور في مناعة الأجسام ومقاومة الأمراض.

فتدخل في صناعة الأدوية وأشياء أخرى قد أعجز عن حصرها أو شرحها ولكنه مثلا بسيطاً لأشياء أدت أدواراً ورسالة أبلغ من أي شكل.

وأيضاً بعض الحشرات حين تنظر إليها فهي مقززة، ولكن لها دور في التوازن البيئي لا يستهان به وقد تتوقف عليها الحياة وتتأثر بوجودها الطبيعة ولهذا خلقها الله. 

فلا نقدر أن ننكر الدور الذي يقوم به النحل هو وأنواع أخرى من الحشرات في تلقيح النباتات بمجرد التنقل بين الأزهار فقط وهذا بدوره يجعل هذه الأزهار والأشجار تنبت ثماراً وحياة.

ولكن هذا إذا تحدثنا على صعيد الحشرات، فكم بالحري إذا تحدثنا عن الإنسان الذي لا نقدر أن نحسر قيمته كصورة لله في طبيعته فقط.

أتأمل كيف جعل الله هذه الأمثال في مخلوقاته ليعلمنا أن القيمة والرسالة أفضل من الشكل دائماً.

فكم رأينا متبرجات على (التيك توك) ومواقع التواصل الاجتماعي يتباهون ويستعرضون بأشكالهم وأجسامهم.

نعم ربما يظهرن فاتنات وجميلات، وبصرف النظر عن أي فلاتر أو مساحيق تجميل أو أي بوتكس وأشياء من هذا القبيل.

ولكن ما الرسالة التي قدموها؟! وما الفضل لهم في جمال ملامحهم؟!

بالنسبة لي فإن جمال أي لوحة فنية خلابة وفائقة الجمال تكمن في صانعها وفي خياله وحرفيته ودقته وإبداعه، وليس في اللوحة في حد ذاتها فهي في النهاية لم تصنع نفسها، فهي مجرد لوحة، عبارة عن مجموعة من الخطوط والألوان على قطعة ورق أو جلد. 

ألسنا جميعاً من طين خلقنا؟!  وكما أن قيمة اللوحة تكمن في أنها أخذت من يد وعقل وموهبة وإلهام إنسان عبقري ولهذا فهي غالية الثمن.

نحن أيضا تكمن قيمتنا في أن من صوّرنا هو الله الفنان الأعظم، فكل لوحاته عظيمة حتى وإن لم ندرك تفاصيلها ونقاط جمالها.

لفت نظري أن بعض اللوحات لبعض الرسامين العالميين تباع بملايين، رغم أنك حين تنظر لها حرفياً تشعر أنها كانت مجرد عبث بالقلم ولا ترى سوى مجموعة خطوط عشوائية متقاطعة، ولكن إيمانهم أن هذا الفنان لن يرسم شيئاً عبثاً أو بلا قيمة، هو ما جعلهم يدفعون الملايين بلا تردد، فقيمة هذه اللوحة من قيمة الفنان نفسه.

ومثال آخر على هذا حين ينقبون عن الذهب لا يجدونه على شكل سلاسل وخواتم جميلة، بل على شكل حصى صغيرة ليس لها شكل معين ولا على أي درجة من الجمال، ولكن القيمة هنا تكمن في خواص هذه المادة وليس في شكلها فهي تظل ثمينة لأنها معدن الذهب وليس لأن لها شكل جميل

وهناك اكسسوارات أخرى مصنوعة من معادن رخيصة، ولكن لها أشكال جميلة، ولكنها تظل رخيصة بالرغم من جمالها وهذا دليلا قاطعاً يظهر أن خواص المعادن أثمن من شكلها.

وأنت أيضاً جميل لأنك إنسان لك رسالة وقيمة نبيلة في الحياة حتى وإن لم تكن وسيماً، وحتى إن لم تكوني جميلة.

مقال بقلم / مينا شاكر