شارك مع أصدقائك

في عالم يزداد اضطرابًا، تبقى الحقيقة الوحيدة المؤكدة هي عدم اليقين. فقد شهد العقد الماضي تحولات عميقة، بدءًا من جائحة كورونا وتداعياتها، مرورًا بأول حرب كبرى في أوروبا منذ قرن، وصولًا إلى التحولات في أنظمة الطاقة والطلب على المعادن، والتغيرات الجيوسياسية والتجارية، والثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، وتنامي التجارة الإلكترونية، وأهمية الاستدامة والمسؤولية المؤسسية، وتهديدات الأمن السيبراني والخصوصية الرقمية.

وسط هذه التغيرات، واجهت الدول والشركات تحديات كبيرة، لكن من استطاع التأقلم والابتكار اغتنم الفرص وجنى الفوائد. وأستراليا لم تكن استثناءً، حيث وفّرت الموارد والسلع الأساسية التي احتاجها العالم، فانعكس ذلك إيجابيًا على اقتصادها.

المستقبل يحمل الفرص والتحديات

مع التطلع إلى المستقبل، تستمر الاتجاهات العالمية نفسها: النمو السكاني، ارتفاع مستويات المعيشة، التحضر، وازدياد احتياجات الطاقة، مما سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على العديد من الموارد التي تمتلكها أستراليا. فعلى سبيل المثال، يُقدَّر أن العالم سيحتاج إلى 70% أكثر من النحاس بحلول عام 2050 مقارنة بعام 2021.

وفي الوقت نفسه، يُتوقع أن تغيّر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأتمتة بشكل جذري طريقة عيشنا وأسلوب تطوير الأعمال وبناء اقتصادات مرنة ومتنامية.

الاستثمار هو مفتاح النجاح

على الرغم من التفاؤل، لا يمكن لأستراليا أن تركن إلى مكتسباتها السابقة، إذ تتجه العديد من الدول إلى تحسين بيئاتها الاستثمارية لتعزيز تنافسيتها، ويتعين على أستراليا أن تحذو حذوها.

بوصفها اقتصادًا يعتمد على الصادرات، فإن القدرة التنافسية والإنتاجية العالمية أمران حاسمان لضمان استمرار تدفق الاستثمارات. صحيح أن أستراليا تمتعت لعقود بميزة تنافسية بفضل ثرواتها الطبيعية وسهولة الوصول إلى الأسواق، إلا أن هذه الميزة باتت أقل وضوحًا في ظل تزايد التحديات مثل ارتفاع تكاليف العمالة والطاقة، وتباطؤ الإنتاجية، والغموض الذي يكتنف السياسات التجارية العالمية.

وبينما يصعب التنبؤ بمستقبل الاقتصاد العالمي، فإن ما تستطيع أستراليا التحكم به هو السياسات والاستثمارات التي تعزز إنتاجيتها وقدرتها على الاستفادة من الفرص عند ظهورها. وهذا يتطلب إصلاحات في القوانين العمالية، وتطوير البنية التحتية، وتسهيل إجراءات الترخيص، دون المساس بمعايير الاستدامة.

النحاس: مورد استراتيجي لمستقبل أستراليا

لطالما لعبت المعادن دورًا محوريًا في ازدهار أستراليا، ويبرز النحاس كمعدن أساسي في العصر الحديث. فمنذ اكتشافه قبل 9000 عام، كان النحاس عنصرًا رئيسيًا في تطوير الحضارات، واليوم يعدّ حجر الأساس في النمو الاقتصادي، وانتقال الطاقة، والرقمنة.

يُعد الذكاء الاصطناعي مثالًا حيًا على ذلك، إذ تحتاج تقنياته إلى قدر هائل من معالجة البيانات، وكل جيجاواط من سعة مراكز البيانات يتطلب 25,000 طن من النحاس. حاليًا، تستهلك مراكز البيانات نحو 2% من إجمالي الكهرباء عالميًا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 9% بحلول عام 2050، ما يعني أن الطلب على النحاس سيتضاعف ست مرات.

أستراليا أمام فرصة ذهبية

مع تنامي الطلب العالمي على النحاس، تشهد صناعة التعدين طفرة جديدة، وتتمتع أستراليا بفرصة كبيرة للاستفادة منها. فهي تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن عالية الجودة، وخبرة واسعة في استخراجها، إلى جانب مؤسسات مستقرة وعلاقات تجارية قوية.

لكن المنافسة على الاستثمارات شرسة، حيث تسعى دول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى استقطاب رؤوس الأموال عبر تقديم حوافز استثمارية وتبسيط إجراءات تطوير المناجم. التحركات التجارية الأخيرة تُظهر أن العالم يخوض سباقًا شرسًا للفوز بالاستثمارات في قطاع الموارد.

لذا، فإن نجاح أستراليا في تطوير ثرواتها من النحاس—وغيره من المعادن الاستراتيجية—مرهون بتهيئة بيئة استثمارية جاذبة وتعزيز الإنتاجية، وإلا فإنها ستتخلف عن ركب المنافسة العالمية.

المصدر: