بروفسور حسين علي غالب
أكاديمي وكاتب مقيم في بريطانيا
أصبحت أعرفه من بعيد، فلقد حفظت بدلته السوداء المهترئة التي لا يغيرها بتاتا طوال الصيف والشتاء.
أما زوجته الطيبة المسكينة فتخرج فقط تشتري حاجياتها من المواد الغذائية وتعود مسرعة بلمح البصر لكي تُعدُّ الطعام لأولادها حتى يكون جاهزاً قبل قدومهم من المدرسة.
أنهم جيراني، أعرفهما تقريباً منذ عامين، والرجل وزوجته أحياء لكنهم بالنسبة لي ولكل من يعرفهما حق المعرفة كأنهما أموات، فهما لا يفعلان أي شيء يذكر لأنفسهما، وكل شيء مخصص لأبنائهما الثلاث الصغار.
نظام تقليدي متوارث غريب لكنه موجود في مجتمعاتنا، حيث يصبح الزوج والزوجة في حال مختلف عند قدوم الأطفال إلى حياتهما، نعم، أنا أقدر تعب الآباء وجهد الأمهات لكن لا ينبغي أن يحرما أنفسهما من أبسط مستلزمات الحياة مهما كانت بسيطة ومتواضعة.
إن هذا النظام الأسري يخلق البرود العاطفي بين الزوج وزوجته، فالزوج يعمل ليلاً نهاراً، والزوجة مسجونة في البيت بين اربعة جدران.
الزوج لا يعرف شيئاً عن زوجته وكذلك الزوجة لا تعرف شيئا عن زوجها. ويلتقيان في المساء لكي يستسلما للنوم العميق من شدة التعب والإرهاق.
صحيح أن الأبناء يحتاجون إلى مصروفات كثيرة لكنهم يحتاجون أيضاً للرعاية والاهتمام المكثف لساعات طويلة كل يوم.
فما أكثر الأبناء الذين كانوا يحصلون على كل شيء يريدونه لكن قلة الاهتمام وعدم الرقابة عليهم جعلتهم عرضة إلى مصاحبة الرفاق السوء أو الإدمان أو دخول عالم الجريمة.