شارك مع أصدقائك

الإنسان بين الحلم والخلق – مقالات متنوعة

بقلم/ وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة ألف ياء

لا يمكنني تحديد سبب محدد لاستحواذ الإنسان على خاصية الحلم، سواء كان الحلم رمزياً أو يتحقق في الواقع. جميع الكائنات الحية قد خُلقت خصيصاً لتعيش في بيئة معينة تلبي احتياجاتها للبقاء، حيث تتكيف كل فصيلة مع بيئتها الخاصة. الأسماك تعيش في الماء، والدببة في البرية، والقرود والأسود في الغابات، والطيور في السماء، والحيوانات تتوزع وفقاً لبيئاتها؛ فالجمل يعيش في الصحراء والخراف ترعى في المراعي.

الحشرات ودورها العرضي

الحشرات أيضاً لها وجود عرضي وقابل للزوال بناءً على درجة تأثيرها على الحياة البشرية والحيوانية. هناك مجموعة من المبيدات المخصصة لإبطال دورها، مما يؤكد أن وجودها ليس أساسياً بقدر ما هو طارئ.

الإنسان والكائن العاقل الوحيد

على الرغم من هذا التنوع الحيوي، يظل الإنسان الكائن العاقل الوحيد، ليس لأنه سيد الوجود أو ملك الغابة، بل لأنه يمتلك القدرة على التفكير والتطلع. حلم الإنسان في الوصول إلى الخالق، أو المصمم الأول، يعود إلى لحظة ظهوره الأولى كخلية أحادية. كما يطمح للوصول إلى الكمال الجسدي الذي بلغه بعد تجاوز مرحلة “القردية” وانتصابه كنوع متفوق على ماضيه.

التطور والبقاء للأصلح

كل الكائنات الحية على الأرض مارست عملية البقاء وفقاً لنظرية “البقاء للأصلح”، ولكننا لم نشهد أي خرق نوعي في تلك العمليات. فالسمكة لم تتحول إلى قرش، بل تحولت إلى أنواع مختلفة من نفس الجنس. هذه الكائنات تطورت ضمن بيئتها، ولكن دون حدوث قفزات نوعية كالتحول من خلية أحادية إلى إنسان.

سؤال الوجود والعقل البشري

العقل البشري هو الكائن الوحيد الذي لم يتخل عن أسئلته الوجودية. فالإنسان دائم التساؤل حول وجوده، معاناته، ونوعه، بينما الحيوانات الأخرى لا تخضع لنمط مماثل من التفكير. فمنذ طفولة العقل البشري، كان يحاول الفهم والاستقلال دون الحاجة إلى وصايا.

الانتصار عبر المعرفة

المعرفة هي أداة الإنسان للتحرر من الشك، والنمو لا يعني الوصول إلى الضفة الآمنة، بقدر ما يعني القدرة على مواصلة الحلم والتطلع. هذا الحلم هو ما يجعل الإنسان قلقاً في خياراته، عنيداً في إيمانه أو إلحاده، محاولاً دوماً إعادة خلق نفسه بطرق جديدة، سواء عبر عمليات التجميل أو الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي وإفساد الفطرة

الذكاء الاصطناعي يُعد كشفاً علمياً مذهلاً يسهم في تطور العلوم والتكنولوجيا، لكنه أيضاً يمثل عودة دورية لفشل الإنسان في محاكاة الخالق. هذا الفشل لا يكمن في التكنولوجيا نفسها، بل في الأيديولوجيات السوداء التي تقف وراء مثل هذه الكشوفات، حيث يحاول الإنسان استخدام التكنولوجيا لإفساد الفطرة الطبيعية وإنتاج بدائل إبداعية آلية.

تسطيح العملية الإبداعية

الذكاء الاصطناعي يختصر عملية الإبداع المعقدة في خطوات بسيطة، مما يؤدي إلى تسطيح العملية الإبداعية سواء في الشعر أو الموسيقى أو الفنون التشكيلية. الإبداع الحقيقي يعتمد على تراكم الخبرات والتفاعل مع المشاعر، وهو أمر لا يمكن للآلات محاكاته.

خيبة التناسخ وعقم الحلم البشري

في نهاية المطاف، تبقى محاولة الإنسان لتكرار تجربة الخلق محكومة بالفشل. الكون، بكل مصابيحه وفناراته، يشير إلى السؤال البشري الأول: من أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون؟