بقلم الدكتور القس جرجس عوض رزق
راعي الكنيسة المعمدانية بمدينة النور
في مستهل مقالي أتقدم بخالص التهاني الي الامة الإسلامية ومصرنا المحروسة والي كل شعوب العالم بمناسبة عيد الاضحي المبارك إعادة الله علينا جميعا بالخير واليمن والبركات وبهذه المناسبة اقدم لكم هذا المقال
تتجلي عقيدة الفداء او الأضحية في اغلب الديانات سواء السماوية او الوضعية، ويعتقد البعض بانها بدأت مع شعوب ما قبل التاريخ وهذا يرجع الي إرضاء الالهة فقد فكر الانسان كيف يتثنى له ان يصل للإله ساكن السماء. كيف يستمتع برضاه ومشاركته في شؤون الحياة، وبعد محاولات عدة، اكتشف ان كل شي يندفع الي السماء يرتد الي الأرض ثانيا. عدا شيء واحد وهو الدخان، ومن هنا بدا الانسان في تقديم الذبائح والمحرقات والقرابين، كل بحسب اعتقاده، ويجب احراقها كي يصعد دخانها الي الاله المعبود وتنقسم الذبائح الي قسمين القسم الأول -الذبائح البشرية والثاني -الذبائح الحيوانية
أولاـ الذبائح البشرية: كانت تقدم في أوقات الكوارث والخطر كان الآباء يقدمون أبناءهم ذبائح للآلهة، باعتبارهم أغلى وأعز تقدمة، وذلك لاسترضاء الآلهة وتسكين غضبهم، ومن ثم لضمان رضاهم وتقديم معونتهم للمعبود حتي ولو كان ذلك علي حساب ابنه المولود من صلبه، وكان هذا النوع من الذبائح البشرية أمرًا شائعًا في القديم عند اغلب شعوب العالم وعلي راسهم الشعوب السامية والكنعانية ودول غرب اسيا قبل استيطان العبرانيين لفلسطين والديانات الهندية واليونان والرومان والإفريقية والمكسيك، واستمرت حتى القرن الخامس قبل الميلاد
ويبدو ان تلك العادات الغير ادمية كانت تمارس بين القبائل الكنعانية، حتى إن الرب نهى شعبه عنها:”لا تعمل هكذا للرب إلهك، لأنهم قد عملوا لآلهتهم كل رجس لدى الرب مما يكرهه إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلهتهم” (تث 31:12). ونجد ان كل أسفار العهد القديم تشجب هذه الممارسات باعتبارها غاية الارتداد الديني والقومي، بل وهي السبب الرئيسي في الكوارث القومية ومن هنا ندرك تماما لماذا قال الله لابونا ابراهيم قدم ابنك محرقة ؟ وبعيدا عن الخوض في، من هو ابن إبراهيم ؟ ففي الكتاب المقدس يذكر اسحق وعند بعض فقهاء المسلمين يقولون إسماعيل اما في القران الكريم فلا يذكر اسم ابن إبراهيم ، ولكن علينا أن نذكر أن الله حينما أراد أن يمتحن إيمان إبراهيم وأن يعلِّمه درسا له ولنسله أيضًا أنه لا يسر بالذبيحة البشرية. لقد آمن إبراهيم أن الله قادر أن يقيم ابنه من الأموات وآمن أيضًا أن الله سيهيئ له ذبيحة عوضًا عن ابنه، وهو ما يتضح من إجابته على سؤال ابنه إسحق”أين الخروف للمحرقة؟ ” فقال إبراهيم”الله يرى له الخروف للمحرقة” (تك1:22ــ 18)، أي أن الله سيدبر لنفسه خروفًا للمحرقة. وأما أن الله لم يتدخل إلا عندما رفع إبراهيم السكين ليذبح ابنه، فلم يكن ذلك إلا ليبلغ الامتحان غايته، ولإثبات كمال طاعة إبراهيم لله بالإيمان ونتج عن هذه الطاعة ان الله فدا ابن إبراهيم بكبش عظيم لم يكن كبش ارضي بل من تدبير السماء ومن خلال هذا الحدث العظيم اصبح عيد عظيم في الديانة الإسلامية وفي كل عام تقدم الاضاحي بكل أنواعها. ومن المعتقد ان الله يغفر الذنوب عند اول قطرة من دم الذبيحة (حديث شريف)
ثانيا الذبائح الحيوانية انتشرت في اغلب شعوب الأرض كما ذكرت انفا وكانت تقدم للأسباب الاتية:ـ 1ـ لمشاركة الالهة ــ في الطعام والشراب لذا لابد من سكب الخمر علي الذبيحة اثناء حرقها او تقديمها قربانا، والدخول مع الاله في عهد 2ـ عند ارتكاب الذنوب والمعاصي ــ فاذا اخطئ العابد علية ان يقدم ذبيحة دموية للمعبود للتكفير عن الخطايا 3ـ الاعتقاد بوجود روح الإله في حيوان ما، ــ وإذ يأكل العبد من الذبيحة فهو “يأكل الإله” ويكتسب في نفسه كل الصفات الجسمانية والعقلية والأدبية التي للروح الساكنة في تلك الذبيحة. وفي بعض الحالات كان العابد يشرب الدم وبذلك يمتص اسير الحياة. كما كانوا في بعض الأحيان ينهشون لحم الحيوان قبل أن يموت تمامًا، أي وهو مازال ينبض بالحياة ليستمد منه الحياة.
اما في الكتاب المقدس فيأتي اول ذكر للذبائح في سفر التكوين وهو سفر البدايات تك4: 3ـ 5 وَمرَّتِ الأيّامُ فقَدَّمَ قايينُ مِنْ ثَمَرِ الأرضِ تَقدِمَةً لِلرّبِّ، وقَدَّمَ هابيلُ أيضًا مِنْ أبكارِ غنَمِهِ ومِنْ سِمانِها. فنظَرَ الرّبُّ برضًى إلى هابيلَ وتَقدِمتِهِ، أمَّا إلى قايينَ وتَقدِمتِهِ فما نظَرَ برضًى، فغَضِبَ قايينُ جدُا وعبَسَ وجهُهُ فنظر الرب الي هابيل وقربانه ولكن الي قايين وقربانه لم ينظر» (تك4:4-5 ) ومعني هذه الآية ان الله ينظر الى قلب الإنسان أولا، ثم بعد ذلك ينظر الى قربانه ولم ينظر إلى القربان أولا ثم الي الشخص ثانيا ويثني علي هذا القول الوحي المبارك في رسالة العبرانيين قائلا بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، ” (عب 11: 4) نلاحظ هنا ان هابيل عندما قدم لله قدم من أبكار غنمه ومن سمانها، انه قدم افضل ما عنده. ولم يذكر عن قايين انه قدم من “افضل ثمار الأرض أو بكور الثمار”
” لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ “(1يو 3: 12) وكان ذلك من اسباب رفض الله لذبيحة قايين بدليل قول الكتاب المقدس ” ذَبِيحَةُ الأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ ” (أم 15: 8) والسؤال المنطقي ماذا لو حدث العكس، بمعني ان هابيل قدم من اثمار الأرض، وقايين قدم من الذبائح، فهل كان الله يقبل ذبيحة قايين ويرفض هابيل ؟ بالطبع لا، ببساطة الله لايقبل الرشوة بل يقبل الحب وتوالت بعد ذلك الذبائح المتنوعة والمتعددة ولكن تبقي الذبيحة الأعظم عند الديانة اليهودية وهي ذبيحة الفصح كانت تقدم لذكري الخروج العظيم من ارض مصر، ومن اهم العادات في هذه الذكري، ان يوضع دم الذبيحة علي القائمتين والعتبة العليا، وكان الدم علامة لنجاة ابكار بني إسرائيل من الهلاك. اما في المسيحية فلا يوجد ذبائح بشرية او حيوانية، فان كان الكبش العظيم الذي قدم لفداء ابن ابونا إبراهيم، كبش واحد، يفدي شخص واحد، هو ابن ابونا إبراهيم، وان كان خروف الفصح، الذي كان يقدمه عن كل عائلة لكي يفدي ابكار بني إسرائيل. فاذا كان خروف واحد يفدي عائلة واحدة. ففي العقيدة المسيحية تؤمن بفداء المسيح الواحد لاجل العالم كله، لكون ان المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم، لأنه هكذا احب الله العالم كله لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية
الدكتور القس/ جرجس عوض