د. جرجس عوض – أستراليا اليوم
مصر لها مكانة عظيمة في الكتب السماوية وقد ذكرت في الكتاب المقدس اكثر من 600 مرة.
وتعدُّ مصر من أكثر الدول التي تم ذكر اسمها، مما يدل علي ان لها مكانة فريدة وعظيمة عند الله والانبياء والرسل.
ولما لا.. وهي كانت ملجا للآباء والأنبياء، فمنذ مطلع التاريخ وهي بلد الأمن والأمان، والثراء والخير.
أذكر علي سبيل المثال وليس الحصر الآتي:ـ
- لجأ ابونا ابراهيم، خليل الله إلى مصر حينما حدثت مجاعة في بداية دعوته وذكر هذا في سفر التكوين 12 : 10 بل وخرج منها بخيرات جزيله وهبها له فرعون ملك مصر.
- كانت مصر مأوي ليوسف الصديق المضطهد من اخوته بني اسرائيل، وقد أصبح الرجل الثاني بعد فرعون ومسؤول عن مخازنها أثناء المجاعة العالمية التي تم ذكرها في سفر التكوين 41: 41، وأثناء تلك المجاعة لجأ إليها أبونا يعقوب مع الأسباط، وذلك حين حلَّت المجاعة في أرض كنعان، ولم يجدوا بُدّاً من الجوع إلا في أرض الكنانة، ومكثوا فيها أكثر من 400 عام.
- على أرض مصر المحروسة وُلد موسى النبي، بل يقول الوحي عنه “فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ.” (أع 7: 22). وعلي جبل سيناء، في ارض الفيروز، ظهر الرب لموسى النبي بل وكتب الرب لموسى لوحي الشريعىة.
- علي أرض مصر صنع الرب. أول وأعظم الآيات والعجائب والمعجزات، ومنها انشقاق البحر وعبور شعب بني إسرائيل.
- وحريٌ بنا ان نذكر أن مصر لجأ إليها السيد المسيح مع أمه ويوسف النجار، هرباً من هيرودوس الطاغية، ولكونها أرض الأمان والسلام.
كل هولاء الآباء والرسل والأنبياء وغيرهم، شربوا من نيلها وساروا على أرضها وأكلوا من ثمارها واستدفأوا بشمسها واستظلوا بسمائها، لذا كانت النبوة المباركة وهي (مبارك شعبي مصر اشعياء 19: 25).
نبوءة جفاف النيل وعلاقتها بسدّ النهضة
أما عن نبوءة جفاف النيل وهل هي مرتبطة بسدّ النهضة؟ فهذا وضع آخر، ماذا تقول النبوة؟
علينا أن نعي أن هذه النبوة كانت سنة 700 ق. م تقريباً على فم النبي اشعياء 19 : 5، حيث تقول النبوة (وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ. 6 وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ، وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ. 7 وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ.) الخ …
وعلينا أن نفهم النص بعيداً عن الخيالات التفسيرية، ومن المهم أن ننطر إلى الأحداث من خلال كلمة الله ولا يجب أن ننظر إلى كلمة الله من خلال الأحداث الجارية.
ينقسم أشعياء 19 إلى قسمين أساسيين:
الأول: من الآية (1- 17) إعلان دينونة الله على مصر وشعبها.
الثاني: ومن الآية (18- 25) إعلان وعد لله بالبركة لهذا الشعب.
وهذه من السمات النبوية الكتابية تتكون من إعلان دينونة، ثم إعلان رجاء.
القسم الأول: من عدد 1- 17 وفيه يعلن النبي دينونة الله والخراب القادم على مصر. وتكون هكذا
1- انتشار الحروب الأهلية (1- 4) هذه الآية تُشير إلى الحرب الأهلية التي حدثت بالفعل في الفترة من 720 ـــ 716 ق.م تحت حكم الفرعون osorkon اوسركون الرابع. وفي موسوعة مصر القديمة للعلامة سليم حسن، كتب في المجلد الثالث عشر هذه العبارة” في سنة 750 ق.م_ وهو بعد الوقت الذي كتب فيه إشعياء نبوته بخمسين عام تقريباً بل واستمر تحقيق النبوة لأكثر من 250 عام.
وكانت مصر مقسمة إلى 18 مملكة (والبعض يقول 12)، وكل مملكة لها ملكها المستقل.
هذه هي الفترة التي يتحدث عنها إشعياء التي كانت مصر مقسمة فيها إلى ممالك وقامت بالفعل حروب أهلية بعض الممالك على الأخرى وتمت النبوة القائلة (وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً).
وإن قلنا أن هذه النبوة يتم تحقيقها اليوم، يكون السؤال أين الممالك المصرية الحالية؟، ولكن بعد تحقيق تلك النبوة في زمنها التاريخي، وفيها كفَّت مصر على أن تكون الدولة الفرعونية العظمى.
ويسمي الكاتب سليم حسن هذه الفترة بـ “فترة الخراب الكبير” ويسميها في المجلد الثاني عشر “فترة الاضطراب العظيم”
2- وقد تحققت بالفعل نبوة جفاف النيل مصدر الموارد الطبيعية وضرب الاقتصاد المصري في ذلك الوقت. “5- 10” كانت فترة عصيبة في تاريخ المصريين.
بعد هذه الفترة صارت مصر تُحكم من ليبيا والسودان والحبشة. ثم حدثت فيها نهضة مؤقتة من ملكين مصريين، حاولا أن يجمعا شتاتها، لكن جاءها قمبيز الفارسي وغزاها في 525 قـ م. ومن هذا الوقت جعل الرب مصر الواثقة في نفسها وأمانها وقوتها وأوثانها دولة ذليلة، لا تستطيع أن تحمي نفسها وعليها أن تصرخ إلى الرب فيخلصها.
3- سقوط حكمة المصريين “11- 15” (إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءُ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ! كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: «أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ»؟ 12 فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13 رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ انْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا. 14 مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ. 15 فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ)
اشتهر المصرييون قديماً بالحكمة والطب والفلك والهندسة والفن والمعرفة بكل اشكالها، لكن للأسف سقطت تلك الحكمة أمام القضاء الإلهي.. لأنه هو واهب كل حكمة.
4- سقوط قوة المصريين في مقابل قوة الله “16- 17” (فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا. 17 وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْبًا لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا)
هذه النبوة حدثت بالفعل في الوقت الذي حارب فيه قمبيز الفارسي (525 ق. م) مصر مستخدماً لذلك أرض يهوذا لتكون رعباً لمصر بمعنى أن الخراب والدمار الذي حلّ على أرض يهوذا بسبب المملكة الفارسية سوف يأتي على مصر في ذلك الوقت، لأن مصر كانت حليفاً لإسرائيل، وكانت تعتمد عليها في حربها ضد المملكة الفارسية، لكن القضاء الإلهي جاء على إسرائيل وعلى مصر وقد سبقتهم بابل.
ومن هنا يعلن الرب لتلك الدول أنه لا وجود لقوة أخرى أعظم وأقدر من قوة الله، فيصير محاربي مصر كالنساء، وهو تعبير ساخر من سقوط قوة مصر العظيمة في ذلك الوقت أمام أعدائها.
إذا نبوة أشعياء ليس لها علاقة بسدّ النهضة المزعوم.