شارك مع أصدقائك

أَثْنَاءَ زِيَارَتِى لِصَدِيقِى بِدُكَّانِهِ
وَأَنَا أَجلِسُ عَلَى مَكْتَبِهِ وَدِيوَانِهِ
لَمحتِه يَنتَظِرُ بَيْنَ الزَّبَائِنِ وَالْخَجَلِ يَلُفُّ مَكَانَهُ
وَبَعدَ أَنْ أَنصَرفَت الزَّبَائِنُ نَظَرَ صِدِيقَى إِلَيْهِ
وَقَالَ لَهُ لَيْسَ الْيَوْمَ يَا أَحمَدُ
فَانصَرَفَ الصَّبِيُّ أَحمَدُ وَعَلَى وَجهِهِ النَّدَامَةُ
وَحُمرَةُ الْخَجَلِ مِنْ ضَيَاعِ الْكَرَامَةِ
فَسَأَلْتُ صَدِيقِى مَاشَأْنَ هَذَا الصَّبِيِّ
فَقَالَ صَدِّيقِى — يَتِيمٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْحَىِّ
أَقْدَمَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَيْتَامِ بِوَاقَى الطَّعَامِ صَدَقَةٌ
لَعَلَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَنَا يَوْمَ الْحِسَابِ الْأَزَلِيِّ
لَكِنَّ الْأَنَّ لَيْسَ لَدَى هَذَا الْفَائِضِ مِنْ الطَّعَامِ الْبَهِيِّ
كَى أُعطِيَهُ لِأَحمَدَ — كَمَا عَرَفَنِى وَأَقْرَانِهِ دَائِمًا سَخِي
وَلَعَلَّهُ يَعُودُ أُخَرَ الْيَوْمِ لِيَجِدَ مِنَ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ
فَوَجَدتنِى فَجأَةً دُونَ تَفكِيرٍ أَترُكُ دِيوَانَ صَدِيقِى
جَريًّا فِى اتِّجَاهِ خُرُوجِ الصَّبِيِّ
وَأَنَا أَبحَثُ عَنهُ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ تَفكِيرٍ روِيَ
فَلَمْ يَكُنْ لَدَى خُطَّةٍ أَوْ سَبَبًا لِحَظِيٍّ
فَقَط كُلَّ مَاأُرِيدُهُ أَنْ أَجِدَ الصَّبِيَّ
فَكُلُّ هَدَفَى وَتَفكِيرَى أَن أَجِدَ الصَّبِيَّ
وَبَعْدَهَا أُفَكِّرُ فِيمَا شَعَرَتُ بِهِ مِنَ الْأَلَمِ الْعَصِيِّ
وَالَّذِى جَعَلَ دُمُوعِى دُونَ أَشْعُرٍ تَسْقُطُ مِنْ عَيْنِيى
وَأَنَا أَبحَثُ كَالْمَهْمُومِ بَيْنَ النَّاسِ بِشَكْلٍ عَبَثِيٍّ
فَقَد تَوَارَى بَيْنَ الزِّحَامِ هَذَا الصَّبِيُّ
فَزَادَ أَلْمَى وَأَحسَسْتُ بِتَقصِيرِى الْغَبِيِّ
لِسُؤَالَى بَعدَ أَنْ أَنْصَرِفَ. الصَّبِيُّ
وَكَيْفَ سَأَتَقَابَلُ أَمَامَ اللَّهِ أَنَا وَذَاكَ الصَّبِيُّ
وَصُورَتُهُ لَا تُفَارِقُ عَيْنَيَى
وَبَعدَ أَنْ قَطَعَت الشَّارِعَ لِأَخَّرِهِ بَحثًا عَنْ الصَّبِيِّ
عَدتُ وَخَيْبَةُ الْأَمَلِ تَجعَلُنِى أَشْعُرُ بِالذَّنبِ الْخَطِّيِّ
وَتَسَاوِرَنِى عُقدَةُ الذَّنبِ فِى حَقِّ هَذَا الصَّبِيِّ
فَكَيْفَ لِى أَنْ أَنَامَ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ طَعَامَهُ هَذَا الشَّقِيَّ
هَذَا الْعُصفُورُ الْأَخْضَرُ النَّقِيُّ
رُحمَاكَ يَا اللَّهُ بِكُلِّ يَتِيمٍ أَوْفَقِيرٍ بِحَقِّ النَّبِىِّ
وَأَثْنَاءَ عَوْدَتِى لَمَحتُ أَحمَدَ يَمشِى فِى شَارِعٍ جَانِبِي
صَرَختُ شُكْرًا يَااللَّهِ وَجَدتُ الصَّبِيَّ
فَجَرَيتُ عَلَيْهِ وَنَادَيتُ — يَابنَى
فَنَظَرَ نَاحِيَتِى — وَقَالَ تَقْصِدُنِى يَاعَمَى
فَقُلْتُ نَعَمْ أَنْتَ يَابُنِى
اسْمَح لِى بِأَمْرٍ شَخْصِى
وَأَخرَجتُ كُلَّ مَافِى جَيْبِى وَأَعطَيْتُهُمْ لِلصَّبِى
فَقَالَ لَمَّا كُلُّ ذَلِكَ يَاعِمَى
فَقُلْتُ هَذَا مَنَ اللَّهِ يَابنِى
فَقَالَ أَحتَاجُ لِبَعضِهَا فَقَط يَاعِمَى
وَشَرَعَ فِى رَدِّ الْبَاقِى
بِشَمَمٍ وَإِيبَاءًا زَكِي
فَأَقْسَمتُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ شَئْ
فَتَرَدَّدَ بِخَجَلٍ وَهُوَ أَبْيَى
وَأَعطَيْتُهُ رَقْمَ تِلِيفُونِى
وَرَجَوْتُهُ أَنْ يَطلُبَنِى
فِى أَىِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ مَثَّلَ بُنِيَى
لِأَنَّنِى ايْضًا كُنْتُ مِثْلَهُ يَتِيمٌ وَأَنَا صَبِيٌّ
فَشَكَرَنِى أَحمَدُ
وَشَكَرْتُ اللَّهَ أَنْ جَعَلَنِى عَثَرتُ عَلَى الصَّبِيِّ
وَهُوَ الْأَنُّ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ الْأَعدَادَى
لِذَا أَرجُوا مِنْكُمْ الدُّعَاءَ لِلَّهِ
لِاجتِهَادِ أَحمَدَ النَّبِيلِ وَاجتِهَادَى
الْقَلِيلُ الْبَسِيطُ الْعَفْوِيُّ
كَلِمَاتُ د مُصْطَفَى رَاشِدٍ