من الصعب التكهن بالظروف والمعطيات التي أدت بالرئيس سعد الحريري للعودة إلى لينان، وهي عودة يأمل اللبنانيون أن تكون طويلة، وأن يعود السعد لممارسة دوره القيادي، وهو السياسي المعتدل الذي يشكل حالة مهمة وإيجابية،امتداداً لدور والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وفي ظل الانقسام العمودي في لبنان بين اتجاهين، يمكن للرئيس الحريري أن يقوم بدور فعال في الجمع بين المتناقضين، وهذا الدور أساسي وحيوي، لاستمرار الحركة السياسية في إطارها العقلاني.
وتأتي عودة الحريري في خضم ظروف صعبة. وهذا التوصيف “ظروف صعبة” كرّرناه آلاف المرات، فقلما نجا لبنان من المطبّات والتوترات والأزمات، فكأنّه كُتب عليه السير على الجلجلة، وأن يتحمّل كصبر أيوب.
والعودة لا تفرضها ظروف الحرب في غزة، ولا المواجهات في جنوب لبنان، فلا علاقة مباشرة بين الحالين. لكن ربما استشعر السعد أن هناك حاجة لوجوده في القيادة، بعد أن حدث فراغ كبير في غيابه، وتأكّدت الحاجة إلى حضوره، هذا لو أراد البقاء في لبنان. وهو قرار يعود إليه، وليس علينا سوى التمني أن تجري الرياح بما تشتهي السفن. وما الحملة التي يقودها كوادر التيار الأزرق من أجل بقاء الحريري في لبنان، وتعليق قراره باعتزال النشاط السياسيّ، إلا انعكاس لرغبة السواد الأعظم من اللبنانيين الآخرين، الذين يرون في شخصية الرئيس سعد الحريري شخصية جامعة، محبّة لخير البلد، وعاملة على تأسيس حوار جامع وبنّاء لوأد الاختلاف والتفرقة.
وتتزامن عودة الحريري مع حديث عن خطط أميركية وفرنسية، لحلّ الوضع في الجنوب، وقد تسربت أنباء إحدى الخطط (الفرنسية) التي قدمها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه كاقتراح مكتوب إلى بيروت، وهي تتضمن انسحاب حزب الله إلى مسافة تقارب 10 كيلومترات عن الحدود، وهي المسافة الأقل من تلك المنصوص عليها في القرار 1701، ونشر ما يصل إلى 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في الجنوب.
كما تقترح الوثيقة أن تهدم الجماعات المسلحة اللبنانية جميع المباني والمنشآت القريبة من الحدود.
أما الخطوة اللاحقة في الخطة، فهي أن يستأنف لبنان وإسرائيل المفاوضات حول ترسيم الحدود البرّية بطريقة تدريجية، وبدعم من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، كما يجريان مفاوضات حول خارطة طريق لضمان إنشاء منطقة خالية من أي جماعات مسلحة غير تابعة للدولة بين الحدود ونهر الليطاني.
وعلى الرغم من التوتر المتصاعد في الجنوب، يبدو أنّ هناك سباقاً بين المقترحات للجم النزاع، والحسم العسكري في قطاع غزة، فإسرائيل مندفعة بلا هوادة إلى رفح التي تصفها بأنها آخر معقل لحركة حماس. وبالتأكيد فإّ الهجوم على رفح له عدة أهداف: تحرير الرهائن، وملاحقة يحيى السنوار الذي يُعتقد أنه موجود الآن في رفح مع قياديين آخرين في حماس، وما تصفه إسرائيل بأنه “القضاء على الحركة”. والخشية أن ما بعد المعركة في رفح لن يكون كما قبله. وهذا ما أكد عليه العديد من المسؤولين الغربيين الذين زاروا لبنان، وشددوا على أن إسرائيل لا يمكنها الصبر إلى ما لا نهاية على نزوح سكانها من الشمال، ولو كلف ذلك حرباً طويلة ودموية… وأغلب الظن أن المسؤولين اللبنانيون أيضاً حائرون بين الإصرار على المواجهة، والخروج منها بأقل خسارة ممكنة تفادياً للدمار والخراب واستمرار التهجير من الجنوب. فهل تكون عودة الرئيس الحريري متصلة بهذه التطورات كلها؟ وهل تكون جزءاً من الحل المقترح، ومن بعده تفكيك العقد الداخلية، وانتخاب رئيس، وتنفيذ الإصلاحات، وتعويم لبنان من وسط المحيط الصعب الذي يتخبط فيه؟… هذا ما نتمناه، ويرجوه كل لبناني مخلص.
ج.د.