(أستراليا اليوم) تكشف عن دُرر الدويهي المكنونة
كتب د. سام نان – أستراليا اليوم
يعتبر الدكتور جميل الدويهي واحدًا من أبرز الشعراء والأدباء، ويعتبر رائد الأدب والشعر المعاصر بعدما ألف العديد من الكتب الأدبية وكتب أشعاراً لا تنقص عن سابقيه في تاريخ لبنان والعالم العربي.
الدكتور الدويهي متزوج من الأديبة مريم رعيدي منذ العام 1983. وهي لها أكثر من 12 مؤلفاً، تتراوح بين النص الإبداعي والكتابة النقدية، خصوصاً لأعماله، وهي تملأ الفراغ النقدي المحيط بنتاجه في أستراليا، إلى جانب عدد قليل من الذين يكتبون عن أعمال الدويهي، على الرغم من تعدّد هذه الأعمال بشكل غير مسبوق في تاريخ العرب، ووصول عدد كتبه إلى أكثر من 56 كتاباً حتّى الآن.
لمع جميل الدويهي كشاعر من خلال قصائده التي تميزت بالعمق والجمال، والتي استطاع من خلالها أن يعبر عن مشاعر الحب والحزن والوطنية بطريقة مؤثرة. كان لديه قدرة فريدة على استخدام اللغة العربية بأسلوبه الخاص الذي يمزج بين العراقة والحداثة.
بجانب شعره، كتب الدويهي أيضًا العديد من المقالات الأدبية التي ناقش فيها قضايا مهمة تتعلق بالأدب والثقافة العربية. وكان له دور بارز في نقل الفكر الأدبي والثقافي إلى جمهور أوسع.
تأثر الدويهي بالقضايا الوطنية والسياسية في لبنان والعالم العربي، وهذا انعكس في أعماله الأدبية. كان من أشد المؤيدين للحركة الوطنية في لبنان، وأعرب عن تضامنه مع قضايا الشعوب العربية الأخرى في مواجهة الظلم.
لا يمكن نسيان دوره الكبير في تطوير الحركة الثقافية في لبنان والعالم العربي، حيث شجع على التعليم والثقافة وعمل على توجيه الشباب نحو مجالات الأدب والفنون.
من أبرز اللقاءات التي انفردت بها جريدة أستراليا اليوم التي تولي اهتماماً كبيراً بالأدباء والمفكرين المبدعين كان لنا لقاء مع الأديب، الشاعر، الفنان والمفكر الدكتور جميل الدويهي وحاورناه:
– ما هي الشهادات التي حصلتم عليها؟
حصلت على ليسانس في الأدب من الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث عام 1983، ثمّ دبلوم دراسات عليا من الجامعة نفسها، عن رسالة بحثية بعنوان «الأسطورة في النثر اللبناني – نماذج من صلاح لبكي وميشال سليمان» (1988)، ثمّ دكتوراه من جامعة سيدني عام 1998، عن أطروحتي بعنوان «محمد الشرفي ومسرحه الاجتماعي والسياسي»، ونشرت الأطروحة مؤسسة العفيف الثقافية – صنعاء، لمن يهمه الاطلاع والتأكد.
– ماذا عن رسالة الدكتوراه؟
دراسة الدكتوراه كانت شاقّة، في بلد بعيد، ومن الصعب الحصول على مصادر ومراجع فيه. كنت أريد أن أناقش الأسطورة في شعر السيّاب، ولمّا تعرّفت بالشاعر محمّد الشرفي، رحمه الله، في سيدني، وعلمت منه أنّه كاتب مسرحيّ، قرّرت أن أغيّر موضوع الأطروحة، وساعدني الشرفي كثيراً، حيث كان يؤمن لي الكتب والمراجع المختلفة من اليمن إلى السفارة اليمنية في كانبرا، عن طريق الأستاذ عبد الرحمن ثابت.
وقد عملت على المنهج الاجتماعي الذي يوازي بين النصّ والحياة الواقعيّة، ووجدت من أدب الشرفي المسرحيّ مرآة لأغلب الحالات الاجتماعية والسياسية في عصره، واعتبر أحد القراء الثلاثة للأطروحة، وهو أستاذ كبير في إنكلترا، أنّني حققت خرقا Breakthrough في الدراسة.
والعجيب أنّ هناك مجموعة من غريبي الطبائع، ينفون شهادتي، ويعتبرون أنها غير موجودة، وأن جامعة سيدني بطولها وعرضها هي من عالم الخيال، هذا على الرغم من أنني أحمل دكتوراه لبنانية إلى جانب الأسترالية (معادلة)، ودرّست في جامعة سيّدة اللويزة – لبنان كأستاذ متفرّغ. وهذه الرتبة الأكاديمية لا تمنح إلا لحامل دكتوراه أصلية.
– ما علاقة ادب الدويهي بالمسرح؟
دراستي للأدب المسرحيّ، واطلاعي على المسرح العربيّ، وشغفي بالمسرح أيضاً، لا علاقة لها بأدبي، ما عدا كتابتي لمسرحيّتين، واحدة شعريّة بعنوان «الأرض البعيدة»، والثانية عاميّة لبنانيّة بعنوان «مين قتل غنطوس؟»، وهما لم تنشرا.
وربما في المستقبل سيكون لهما نصيب في النشر. هاتان المسرحيّتان جزء من كلّ، وتدخلان في إطار التنويع الفريد الذي تقوم عليه كتاباتي، ومشروعي الأدبيّ «أفكار اغترابيّة» للأدب الراقي.
– هل كانت هناك أعمال للدكتور جميل الدويهي قبل هجرته إلى أستراليا؟
هاجرت إلى أستراليا في أواخر العام 1988، بعد أيّام قليلة من مناقشة رسالة الماجستير. وقبل ذلك كنت أعمل في التدريس، وأشارك في أمسيات شعريّة في البترون، وإهدن مسقط رأسي، وأميون. ولم تكن حالتي المادّيّة تسمح لي بالنشر، فحملت بعضاً من كتاباتي إلى أستراليا. وغربلت تلك الكتابات، فاستغنيت عن كثير منها، وأبقيت القليل، لاعتباري أنّها تمثّل البدايات، وربّما قبل البدايات. وكانت أوّل مجموعة شعريّة لي تصدر في أستراليا في العام 1990، بعنوان «عودة الطائر الأزرق»، وأوّل مجموعة تمثّل طريقتي الشعريّة ومدرستي هي «وقلت: أحبّك» التي نشرتها في العام 2001.
– إلى أي مدرسة شعرية ينتمي الدكتور جميل الدويهي؟
في الشعر، تتعدّد طرائقي بحسب النوع الذي أكتب فيه، وفي «أعمدة الشعر السبعة»، وهو أّول ديوان شعر عربيّ على الإطلاق يحتوي على 7 أنواع شعر، لا ألتزم طريقة واحدة، لسبب بسيط، هو أنّ كلّ نوع يختلف عن الآخر، فلا يمكن كتابة الشعر المنثور بالطريقة نفسها التي يكتب بها الشعر العموديّ، والزجل يختلف عن القصيدة المدوّرة. وهذا التنويع الفريد ليس نعمة، بل هو نقمة، لأنّه صعب، ومن العسير أن يخوض في غماره شخص واحد، ينبغي عليه أن يكون 7 شعراء معاً. وتجد في شعري الرومنسيّة، والواقعيّة، والرمزيّة، والسورياليّة… وتتنقّل من اللغة الحزينة إلى اللغة الساخرة أو المضحكة. مدرستي إذن هي خليط من كلّ ما هو معروف. وكما في الشعر هكذا أنا في النثر.
– هل يعتبر د. جميل الدويهي صاحب التجديد في المدرسة الرومانسية في الشعر؟
ربّما أكون مجدّداً، وربّما لا أكون، وهذا يحدّده النقّاد والدارسون للأدب. وكانت أوّل تجربة نقديّة على مستوى أكاديميّ لأعمالي رسالة الماجستير للباحثة الأستاذة نداء عثمان، جامعة الجنان في لبنان، التي اعتبرت أنّني أشكّل مرحلة جديدة من مراحل أدب المهجر، وقارنت بين أعمالي وأعمال الرابطة القلمية والعصبة الأندلسيّة، كما درست باختصار الرموز لدى جبران خليل جبران ولديّ. وأعتقد أنّها وجدت فرقاً في الاستخدامات، لأنّ العصر يختلف، والثقافة تختلف، كما التجربة الاغترابيّة بين أميركا وأستراليا. أمّا الرومنسيّة التي هي واحد من أنماط مختلفة، فأعتقد أنّ كثيرين قبلي جدّدوا فيها، ولا أقصد التجديد لذاته، بل أقول كلمتي، بغضّ النظر عمّا إذا كانت تحسب في ميزان التجديد أم لا.
– بمن من الأدباء تأثر أدب الدويهي؟
هذا السؤال صعب، لأنّني أحمل ثقافة واسعة، وقرأت لكثيرين جدّاً، من اليونان القديمة، إلى عصر ما قبل الإسلام، والعصور اللاحقة، وعرفت شكسبير، وجان جاك روسو، وويليام بلايك، وإدغار ألن بو، وتوماس إليوت، وأحمد شوقي، وخليل مطران، وسعيد عقل، والسياب، وجبران، ونعيمة… و…و… ودرست الاتجاهات الأدبية المختلفة، ولاحقت الفلاسفة إلى عقر دارهم. ولو حاولت أن أحصي لك عدد المبدعين الذين تعرّفت بهم، لعجزت عن العدّ. وهذا ربّما يقدّم إلى جريدتكم صورة عن الثقافة العريضة التي حصلت عليها بالاجتهاد والمثابرة، وتفسيراً أيضاً لعجزي عن الاعتراف بمن تأثّرت به. أعتقد أنّني وليد معرفة كبيرة، وأحتفظ باستقلاليّتي في التعبير، ولي تجاربي الخاصّة التي قد تشبه أحياناً، وقد تختلف أحياناً كثيرة.
– هل الدكتور جميل الدويهي هو عميد الأدب المهجري؟
هذه الإشكاليّة لا تحسمها الفوضى، ولا السفسطائية التي يتأكد أنّ هناك من يروّج لها. في عهد أفكار اغترابية انتهى زمن الإشارات باليدين، والسحر، والتعمية المقصودة، لأننا نضع أعمالنا على الطاولة، 40 كتاباً في احتفالية الأدب الراقي السادسة. كل الناس رأوها وقرأوها. وقد نشرت على صفحتي 16 حالة تؤكد عمادتي، أوّلها شهادتي الأكاديمية، وتدريسي الجامعي، ومقالاتي المنشورة في كبريات الكتب والمجلات المتخصصة… أضيف إليها سبعة أنواع شعر، والرواية، والقصّة القصيرة، والفكر، والتأريخ، والترجمة، والدراسة الأكاديميّة، والمقالة السياسية والاجتماعية، والكتابة باللغتين معاً.
– هل العمادة تحتاج إلى أكثر من هذا؟ أم إنّ العمادة تعطى للأقلّ إبداعاً؟
هناك كثيرون أطلقوا عليّ لقب العميد، ومن أطلقوا على مشروعي اسم «النهضة الاغترابية الثانية»، وقبلتًهما فقط بعد أن جرت المقارنة، فإذا كان هناك من يفوقني في العناصر التي ذكرتها، فله العمادة والريادة والقيادة، أمّا إذا كان لا يقدّم ما أقدّمه، فليسمح لنا… ونحن لدينا الشجاعة أن نتراجع عن أيّ حالة إذا وجدنا أنها مبنية على خطأ.
– كلمة أخيرة ولمن توجهونها؟
كلمة شكر من قلب محب، لكم دكتورنا الغالي سام نان، وإلى اللقاء في جلسات حواريّة، ولقاءات لا تنتهي، والصديق في قلبي كالنخل ينمو، وكالأرز دائم الخضرة.
«نشكر الأديب جميل الدويهي على هذا اللقاء القيم والملهم، ونتطلع دائماً لمزيد من إبداعاته ومشاركاته في عالم الأدب والثقافة.»