
تتجه الحكومة الائتلافية إلى جعل تخفيضات كبيرة في الخدمة العامة الفيدرالية محورًا رئيسيًا في حملتها الانتخابية المقبلة، وذلك ضمن سعيها لإلغاء تغييرات حزب العمال وتقليل ما تصفه بـ»الهدر»، في خطوة تعكس سياسة الإدارة الأمريكية الحالية في محاربة «عدم الكفاءة» الحكومية.
لم يحدد زعيم المعارضة، بيتر داتون، بعدُ الأماكن التي سيتم فيها تقليص الوظائف، لكنه كرر التزامه بهذا الأمر في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، قائلًا: «لقد كنت واضحًا، لن يكون هناك 36,000 موظف حكومي إضافي في كانبيرا.»
خطاب داتون
وفي خطاب ألقاه في يناير، ألمح داتون إلى أن الفئات التي قد تفقد وظائفها، في حال فوزه بالانتخابات، تشمل العاملين في مجالات التنوع والشمول، بالإضافة إلى «مديري التغيير» و»متخصصي الاتصال الداخلي».
وأضاف: «مثل هذه الوظائف، كما قلت، لا تقدم شيئًا لتحسين حياة الأستراليين العاديين.»
واقترح عدد من أعضاء الجبهة المعارضة، من بينهم زعيم الحزب الوطني، ديفيد ليتلبراود، أن التخفيضات قد تصل إلى أكثر من 30,000 وظيفة، لكنه عاد لاحقًا ليؤكد أن «عددًا ضئيلًا جدًا» من الوظائف سيتم إنهاؤه، حيث سيتم تقليص العدد من خلال «الاستنزاف الطبيعي» للموظفين.
من جانبها، حذرت حكومة حزب العمال من أن هذه التخفيضات قد تؤدي إلى تدهور الخدمات العامة وزيادة الاعتماد على المستشارين الخارجيين وعقود التوظيف المؤقتة، ما قد يترتب عليه تكاليف باهظة.
كيف تطورت الخدمة العامة في عهد حكومة ألبانيزي؟
وفقًا لمستويات التوظيف المتوقعة في ميزانية 2024-2025، يُتوقع أن يصل عدد موظفي الخدمة العامة إلى 209,150 موظفًا في السنة المالية 2024-2025، وهو ما يمثل زيادة قدرها 17,000 موظف عن العام السابق، وارتفاعًا إجماليًا قدره 36,000 موظف منذ ميزانية 2022.
لكن الرقم الفعلي للموظفين قد يختلف عن التقديرات الحكومية، التي تستخدم لتحديد عدد الموظفين اللازمين لتنفيذ التدابير المدرجة في الميزانية، كما أن هذا الرقم لا يشمل موظفي وكالات الاستخبارات لأسباب أمنية.
وفقًا لأحدث أرقام لجنة الخدمة العامة الأسترالية (APS)، فإن العدد الفعلي للموظفين الدائمين والمؤقتين في السنة المالية 2023-2024 يبلغ 185,343 موظفًا، بزيادة قدرها 8.9% عن العام السابق، وزيادة بنسبة 16.4% (أو 26,000 وظيفة) منذ 2021-2022.
ومع ذلك، فإن غالبية هذه الوظائف تركزت في الأدوار الأمامية داخل وكالة التأمين الوطني للإعاقة (NDIA) وخدمات أستراليا. كما ساهمت الوزارات والهيئات الجديدة التي أنشأتها حكومة حزب العمال، مثل وزارة التغير المناخي والوكالة الأسترالية للغواصات، في زيادة عدد الموظفين.
بالإضافة إلى ذلك، تم تحويل 8,816 وظيفة كانت تُشغل عبر عقود خارجية إلى وظائف دائمة، بما في ذلك 2,502 وظيفة تم تحويلها في الميزانية الأخيرة.
ماذا حدث في عهد حكومات الائتلاف السابقة؟
عندما تولى رئيس الوزراء الأسبق توني أبوت الحكومة في عام 2013، وعد بتقليص البيروقراطية لمواجهة ما أسماه «أزمة الميزانية».
تم فرض «تجميد التوظيف» الذي أدى إلى تقليص عدد الموظفين بمقدار 11,600 وظيفة خلال عامين فقط من تولي أبوت رئاسة الوزراء.
وفي عام 2014، ارتفعت قيمة العقود الممنوحة لشركات التوظيف المؤقت إلى 21.7 مليار دولار مقارنة بـ 9.9 مليار دولار في عام 2013، وفقًا لتحليل بيانات AusTender. كما ارتفعت تكلفة عقود الاستشارات من 286.5 مليون دولار في 2013 إلى 418.4 مليون دولار في 2014.
في ميزانية 2015-2016، فرضت الحكومة سقفًا على عدد موظفي الخدمة العامة، بحيث لا يتجاوز العدد 167,596 موظفًا، وهو مستوى مشابه لعام 2006-2007.
بين 2016 و2022، بلغ متوسط الإنفاق السنوي على عقود الاستشارات ما يقارب 600 مليون دولار، وبلغ ذروته في عام 2021 عند 751.1 مليون دولار.
وفي الفترة نفسها، بلغ متوسط العقود السنوية الممنوحة لشركات التوظيف المؤقت 23 مليار دولار.
خلال فترة وجودها في المعارضة، تعهدت حكومة حزب العمال بإلغاء سقف التوظيف وزيادة عدد الموظفين الحكوميين للحد من الاعتماد على العمالة الخارجية.
ورغم إزالة هذا السقف، إلا أن تكلفة عقود الاستشارات لا تزال أعلى مما كانت عليه قبل عام 2014.
فعلى سبيل المثال، في عام 2022، عندما فاز حزب العمال بالانتخابات، انخفض إجمالي تكلفة عقود الاستشارات إلى 567.9 مليون دولار من ذروته في 2021. ومع ذلك، ارتفع المبلغ إلى 596.1 مليون دولار في 2023، ثم إلى 605.2 مليون دولار في 2024.
أما عقود التوظيف المؤقت الموقعة بين 2022 و2024، فقد بلغ متوسط قيمتها السنوية 42.5 مليار دولار.
وتعترف وزيرة الخدمة العامة، كاتي غالاغر، بأن إعادة بناء الخدمة العامة إلى مستويات ما قبل 2014، سواء من حيث الحجم أو الكفاءة، «ستستغرق وقتًا».
هل ستعود الحكومة إلى الاعتماد على المستشارين الخارجيين؟
حذرت غالاغر من أن تعهدات الائتلاف بخفض الوظائف في كانبيرا والمناطق الإقليمية قد تؤدي إلى عودة النفقات الضخمة على الاستشاريين والتوظيف المؤقت.
من جهتها، لم تستبعد جين هيوم، وزيرة الظل للخدمة العامة، أن تلجأ حكومة ائتلافية مستقبلية إلى العمالة الخارجية، لكنها زعمت أن تحذيرات حزب العمال من عودة الإنفاق الكبير على الاستشارات ليست دقيقة.
وقالت: «خلال أزمة كوفيد، كنا بحاجة إلى هذه القدرات، لأن الاستجابة السريعة كانت مطلوبة في ظل الظروف الصعبة.»
وأضافت: «لكن الآن، تم ضم هؤلاء الموظفين إلى الخدمة العامة بشكل دائم… وهذا أمر مقلق، لأنه بصراحة، ليس دائمًا ما تكون الخدمة العامة الأكبر هي الأفضل.»
وأكدت أن «الاستشاريين كانوا دائمًا جزءًا من القطاع العام، وهناك سبب لذلك، وهو أن الحكومة لا يمكنها أن تكون خبيرة في كل شيء طوال الوقت.»
ماذا بعد؟
حتى يعلن الائتلاف تفاصيل خطته، والتي قد لا تأتي إلا بعد الانتخابات، يظل مستقبل البيروقراطية الأسترالية غير واضح.