تباينت الآراء في مصر، حول قرار الهيئة الوطنية للانتخابات، بإحالة جميع الناخبين الذين تخلفوا عن التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ إلى النيابة العامة، ففيما أكد خبراء دستوريون، قانونية فرض عقوبة على المتخلفين عن المشاركة، وفقاً لما تنص عليه المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، اعترض حقوقيون على القرار، معتبرين أن الحق في الانتخاب والترشيح من حقوق الإنسان، وأن فرض عقوبة على من لم يشارك في التصويت يخالف نظرية الحق في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
واهتمت آراء أخرى بإمكانية تطبيق تلك العقوبة، والتي أثارت ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وجرت انتخابات مجلس الشيوخ المصري يومي 9 و 10 أغسطس آب الجاري، وشهدت مشاركة ضعيفة بنسبة بلغت 14.23% تعادل نحو 8.959 مليون ناخب من إجمالي 63 ناخب ممن لهم حق التصويت، أي أن نحو 54 مليون ناخب تخلفوا عن التصويت، مهددين بسداد غرامة لا تزيد عن 500 جنيه، وفقاً لما نصت عليه المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، وتنص على أنه “يعاقب بغرامة لا تتجاوز 500 جنيه، من كان اسمه مقيداً بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته في الانتخاب أو الاستفتاء”.
و أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات برئاسة المستشار لاشين إبراهيم نائب رئيس محكمة النقض، أن الهيئة طبقاً لصحيح الدستور والقانون بدأت في حصر أسماء الناخبين الذين تخلفوا عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات مجلس الشيوخ لإحالتهم إلى النيابة العامة تمهيدا لتحصيل غرامة لا تجاوز الـ 500 جنيه من كل ناخب تخلف عن التصويت.
وأكد المستشار لاشين إبراهيم، أن الهيئة وجهت وقت دعوة الناخبين لانتخابات مجلس الشيوخ عدة رسائل لكافة الناخبين من الشباب والسيدات والمصريين في الخارج وحتى الإعلام لحثهم على أداء واجبهم الوطني والدستوري والإدلاء بأصواتهم في تلك الانتخابات، وطالبت الهيئة على مدار مراحل العملية الانتخابية في الجولة الأولى لمجلس الشيوخ ووقت الاقتراع بعدم التقاعس عن المشاركة لما تمثله جريمة في حق الوطن.
قرار قانوني
صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري في مصر، أكد أن قرار إحالة المتخلفين عن المشاركة بالجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ قانوني، لأنه يأتي وفقاً لما نصت عليه المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، مضيفاً أن “غرامة عدم المشاركة كانت موجودة في كافة القوانين السابقة وليست المرة الأولى في القوانين المصرية، وليس معنى عدم تطبيقها خلال الفترة الماضية أنها ملغاة، كما توجد قاعدة فقهية تقول إن إعمال النص خير من إهماله”.
وأضاف فوزي في تصريحاته لـ CNN بالعربية، أن الهيئة الوطنية للانتخابات لديها قاعدة بيانات بكافة أسماء الناخبين، ولديها أيضاً قاعدة بيانات بأسماء المشاركين بالانتخابات، لذا يمكن للهيئة حصر أسماء المتخلفين عن المشاركة في الانتخابات وإحالتهم للنيابة، و”التي لديها الحق في إما اتخاذ إجراءات ضد المتخلفين أو إصدار قرار بفرض الغرامة أو تحيل الأمر للمحكمة، ويمكن للمخالف تقديم عذر مقبول أو استشكال على القرار، إلا أن تنفيذ قرارات النيابة أو المحكمة يرجع إلى أجهزة السلطة العامة”، بحسب وصفه.
ورداً على مخاوف عدم المشاركة بانتخابات مجلس الشيوخ بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، قال الخبير الدستوري المصري، إن الهيئة الوطنية للانتخابات اتخذت جميع التدابير الاحترازية لحماية الناخبين من وباء فيروس كورونا، “لذا فإن المتخلفين عن الحضور تتوافر بهم صفة المخالفة”، مشيراً إلى ما بذلته الهيئة من جهود لتعقيم اللجان صباحاً ومساءً، وتوفير كمامات مجانية وألزمت الناخبين بالتباعد الاجتماعي في الصفوف أمام اللجان لحمايتهم.
اتهامات بعدم الدستورية
وأبدى عدد من الحقوقيين، اعتراضهم على قرار إحالة المتخلفين عن المشاركة بانتخابات مجلس الشيوخ إلى النيابة، حيث قال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، في تغريدة له على تويتر، إنه “وفقا للعهد الدولي لحقوق الإنسان.. الحق في الانتخاب والترشيح حق من حقوق الانسان وفرض عقوبة على من لم يشارك في التصويت يخالف نظرية الحق في القانون الدولي لحقوق الإنسان”.
وقال المحامي الحقوقي نجاد البرعي، في تصريحاته لـCNN بالعربية، إن قرار إحالة المتخلفين عن المشاركة بانتخابات مجلس الشيوخ “غير دستوري”، مبرراً وجهة نظره أن المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية غير دستورية، “لأن المشاركة بالانتخابات إحدى حقوق المواطن يمكنه استخدامها من عدمه، ولذا لا يمكن أن يعاقب إذا لم يستخدمه”.
وأضاف البرعي، أن القرار “يخالف المواثيق الدولية، حيث لم يسبق لأي دولة تحويل نصف شعبها للنيابة لعدم التصويت بالانتخابات”.
صعوبة تنفيذ العقوبة
واستبعد نجاد البرعي رئيس المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، في تصريحاته لـCNN بالعربية، تنفيذ هذا القرار، معتبرًا أن سبب صدور قرار الإحالة، يأتي لـ”حث المواطنين على المشاركة في انتخابات مجلس النواب التي ستعقد في نوفمبر تشرين الثاني المقبل”، مشيرا إلى أن قرار اللجنة العليا بإحالة المتخلفين عن انتخابات مجلس الشيوخ للنيابة يحتاج تنفيذه لنحو 54 مليون أمر قضائي كما يحق للناخبين التظلم على القرار.
واعتبر الحقوقي المصري، أن “قرار إحالة المخالفين للنيابة يشير إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات لم تصل لهدفها بحشد المواطنين إلى لجان الاقتراع، فمن ضمن أهدافها تحقيق التوعية بين المواطنين لحثهم على المشاركة”.
وحول إمكانية تطبيق العقوبة على 54 مليون ناخب لم يشارك في عملية التصويت، قال الفقيه الدستوري صلاح فوزي، إن هناك آليات كثيرة للتنفيذ، “فالكثرة العددية لا تكون مانعاً أمام الدولة في تطبيق القانون، فالغرامة تبدأ من جنيه إلى 500 جنيه، وللنيابة والمحكمة الحرية في تحديدها فهي أمور مرجعية للنيابة العامة حين يصلها الأوراق من الهيئة الوطنية للانتخابات، ويمكن ربط تحصيل الغرامة بالخدمات عند استصدار بعض أوراق مثل شهادة ميلاد أو أي وثيقة”.
من جانبه أكد الفقيه الدستوري شوقي السيد، قانونية إحالة المخالفين عن المشاركة بانتخابات مجلس الشيوخ إلى النيابة، غير أنه رجح صعوبة تنفيذ العقوبة، نظراً لصعوبة التأكد من وجود عذر من عدمه أمام الناخب منعه من المشاركة، كما أنه حال صدور حكم بالغرامة يمكن للمواطن الطعن عليه وهو ما يمكن أن يتسبب في إرباك المحاكم وجهات التنفيذ.
وأشار شوقي السيد في تصريحاته لـCNN بالعربية، إلى ضرورة توعية المواطنين بالمشاركة في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم، وكذلك توعيتهم باختيار الأصلح بالنسبة إليهم، مضيفا أنه “على سبيل المثال يمكن أن يذهب البعض للاقتراع ويقوم بإبطال صوته للهروب من الغرامة بدلاً من اختيار الأصلح”.
وشهد قرار الهيئة الوطنية للانتخابات، تداولًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، تباينت فيه ردود الفعل بين الاعتراض والسخرية، فضلا عن سيناريوهات تطبيق القرار.