كلمة مدير التحرير/ د. جميل الدويهي
يمكن القول بكثير من الشفافيّة والصدق أن زيارة وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ إلى الشرق الأوسط هي زيارة دبلوماسيّة لا أكثر ولا أقل، ومن باب “الحركة بركة”، وهي تنطوي على أبعاد، بعضها ظهر للعيان، وبعضها خفي. فقد أعلنت الوزيرة بيني وونغ عن حزمة مساعدات جديدة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الخارج، تضاف إلى مساعدات سابقة كانت قررتها الحكومة الفيدرالية. وهذه المساعدات لا بدّ منها، فقد تعرض الشعب الفلسطيني لأفظع عملية تهجير، بعدما دُمّرت المنازل، وتحول الجزء الشمالي من القطاع إلى قاع صفصف، وغير صالح للسكن حتى إشعار آخر. ولا أحد يعلم مستقبل القطاع، وكأن هناك مؤامرة دولية، هدفها واحد فقط: تحقيق أمن إسرائيل، وما تصفه الدول الغربية “بحقّ إسرائيل في الوجود”.
والقادة الإسرائيليون يعملون فعلاً ضمن هذا الإطار، ويعتقدون أن التدمير الشامل لأذرع إيران في المنطقة هو الضمان لحياة الشعب الإسرائيلي، الذي ينص دستور “حماس” على عدم الاعتراف بوجوده في فلسطين، ولا بمعاهدات السلام التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل.
ونعتقد أنّ وونـغ غير جاهلة لكل هذه الحقائق. ولنكن صريحين، فإن الحكومة الفيدرالية تميل إنسانيّاً إلى الفلسطينيين، وترجمت ذلك في حزمات المساعدات المالية، لكنها سياسيّا ودبلوماسياً تميل إلى الجانب الإسرائيلي. وصدرت عدّة تصريحات من أعلى المستويات في كانبرا بهذا الخصوص، معتبرة أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها. وتقف الحكومة الأسترالية، بعيداً خطوة فقط عن موقف واشنطن الذي يرفض إيقاف الحرب، حتّى تحقيق الأهداف الإسرائيليّة. وقد أصبحنا نشعر بأن هناك مؤامرة ما، أو اتفاقاً بين دول متعددة، يُنفذ الآن على الأرض في غزة، وربما بعدها في جنوب لبنان.
وكمثل واضح عن رأي أستراليا في ما يجري حاليّاً، نذكر التصريحات التي أدلت بها وونغ في عمّان، بعيد اجتماعها مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حيث ألمحت إلى قضيّة الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. وتبيّن أنّ أستراليا لها رأي آخر، مثل العديد من الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل. وأستراليا تقرأ جيداً، ولا تصدق الإعلانات المضخمة التي حاولت الإيحاء بأن الغالبية العظمى من الدول تؤيد الدعوى الجنوب أفريقيّة. ففي إحصاء جدي، هناك 60 دولة أعلنت التأييد، بينما صمتت أكثر من 100 دولة صمت أهل الكهف، وكأنّها تعرف أن قرار المحكمة الدولية لن يكون له سوى تأثير شكلي على مجرى الأحداث التي جرى التخطيط لها مسبقاً.
أستراليا نموذج عن الدول التي تحمل العصا من المنتصف. أمّا في ساعة الجدّ، وعندما يتبيّن الأبيض من الأسود، فهي بالتأكيد لها أجندة تتماهى مع الغرب. وزيارة وونغ إلى الشرق الأوسط لا تخرج عن هذا السياق. هي زيارة دبلوماسيّة تؤكد المؤكّد، ولا ينتج عنها سوى مساعدات مالية، هي الحد الأدنى الذي يمكن أن تقدمه دولة متقدّمة لشعب فقدَ كلّ مقومات الحياة، ويحتاج إلى العيش بحرّيّة، في دولته المستقلّة.