شارك مع أصدقائك

د. جرجس عوضللدكتور القس / جرجس عوض رزق

الصيام مصطلح ديني عرف منذ قديم الأيام، ويعدُّ الفراعنة هم أول شعوب العالم الذين مارسوا الصوم اعتقاداً منهم ان الصوم يقوم بتهذيب وخلاص نفوسهم من أية مخالفات أو ذنوب اقترفوها، ومن ثَمَّ يساعدهم على التقرب من الآلهة وأرواح الموتى.

الصيام عند الفراعنة

كما أن الفراعنة هم من أطلقوا مصطلح الصوم على الامتناع عن الطعام والشراب، ومن هنا جاءت كلمة “صوم أو صيام” وقد كان أصلها في اللغة الهيروغليفية “صاو” والتي تعني امتنع أو كبح، كما أنهم كانوا يقيمون طقوساً خاصةً للصيام، حيث عرفوا فوائده في الحفاظ على الصحة، وكانوا يصومون في أيام الحصاد وجني الثمار، وكان يعتقد أن صوم ثلاثة أيام في الشهر، يساعد على البقاء في صحة جيدة.

كما كان الكهنة في العصور الفرعونية يقيمون احتفالية هلال القمر وهم يحملون مصابيح زيتية بغرض الإضاءة ومباخر للتبخير وهم ينشدون “واح وي واح وي إيا ياح” وكان يستمر هذا الاحتفال طوال الليل حتى شروق الشمس بمعنى مرحباً يا قمر، حيث «وحوي» تعني مرحى، وإياح تعني القمر.

كما تشير بعض الأبحاث التاريخية أن المصابيح كانت عبارة عن الفوانيس المعروفة وكانت تعرف في الأصل بكلمة “فيناس”، وقد تم تصنيعها لتتناسب مع المعابد والهياكل الفرعونية.

ومن ثم توارثها الأقباط في العصر القبطي، وعندما جاء العرب إلى مصر، استخدموا تلك المصابيح (الفوانيس) هذا من جهة الفراعنة.

أما الصوم في الهندوسية التي تعدُّ من أقدم الديانات ويرجح أن تاريخها يرجع إلى 1500 ق ـ م.

ومن طقوسهم الصيام، ولكن من أشهر طوائفهم “السادو” الذين يصومون حتى يصبحوا كالهياكل العظمية.

وكان من تلك الطائفة المهاتما غاندي ومن أقواله عن الصوم الدائم، “لا أستطيع الاستغناء عن الصيام، كما لا أستطيع الاستغناء عن عيني.

وكما ترى بالعين العالم الخارجي، ترى بالصيام العالم الداخلي”.

الصيام عند البوذيين

وفي البوذية، الصوم ليس فريضةً دينيةً عامةً، ولكنهم يصومون في ذكرى ميلاد بوذا، وهناك الصيام المؤدي إلى “النيرفانا” حيث يتحد الجسد والروح بالنور الأعلى بعد صيام معين.

الصيام في اليهودية: هناك أربعة أنواع للصوم، وهم: الصوم الكامل، والجزئي، وذكرى تدمير الهيكل، والصوم الاختياري الذي لا يطبَّق على جميع أبناء الشعب اليهودي.

الصيام عند اليهود

الصوم في المسيحية: يُعتبر الصوم عند الطائفة الأرثوذكسية هو الامتناع عن الطعام منذ منتصف الليل وحتى بعد منتصف النهار أو حسب مقدرة الشخص، ثم يتناول طعام خال من اللحوم أو الطيور ومشتقاتهم، ويشبههم في الصوم الكنيسة الكاثوليكية.

الصيام عند المسيحيين

أما الطائفة الإنجيلية، فالصوم روحي، أي الصوم عن الخطايا والذنوب سواء بالسلوك أو بالأقوال وهذا يأتي بالتوبة القلبية الحقيقية ثم الامتناع عن الطعام والشراب من الصباح إلى المساء وقد يمتد أكثر من ذلك بحسب تحديد الفرد أو الجماعة من أيام للصوم دون التقيد بتناول أطعمة محددة.

والصوم في الإسلام: هو صيام شهر رمضان، حيث يتم الإمساك عن الطعام والشراب بحسب مواعيد محددة، وأيضا الصيام عن الأعمال المخالفة للأخلاقيات.

وفي هذا الشهر يوزع المسلمون الصدقات على الفقراء والزكاة، كما تجتمع العائلات معاً وتتوطد أواصر القربى والعلاقات الإنسانية بين الجيران.

وهذا الصوم مفروض على كل المذاهب الإسلامية، وينتهي الشهر الكريم بعيد الفطر المبارك.

ومن خلال هذا السرد ندرك أن الصوم ليس مجرد امتناعنا عن الطعام والشراب فقط، بل أيضاً امتناعنا عن كل الشهوات والمشتهيات الجسدية.

وهناك مقولة: “إن صُمْتَ.. فليصم سمعك وبصرك ولسانك” وهذا لا يأتي إلا برفع القلب إلى الله بالتوبة الحقيقية والتخلي عن كل خطية محبوبة أو عادة شريرة، والتدريب على اكتساب فضيلة جميلة من الفضائل الروحية.

كما أعتقد أن الصوم في جوهره هو التعبير عن حبنا لله وخضوعنا له، فلا ينبغي أن نصوم عن الطعام والشراب، ونأكل لحوم بعضنا البعض أو نأكل حقوق الغير، أو يتم تعطيل مصالحهم أو نذمّ في أخلاقهم أو نغتابهم.

فإن كنتَ لا تحب أخاك الذي تراه، فكيف تحب الله الذي لا تراه؟

فما أجمل أن نصوم لله صوماً نظيفاً داخلياً وخارجياً، إن أردْتَ أن تصومَ، فعليك أن تسجن كل الرذائل من ألفاظ اللسان والغضب وقهر الشهوات وعمل الخير للغير باستمرار، ولا سيما الفقراء، والتخلص من العادات الضارة، والتحرر من هموم العالم ومن العقد النفسية.

وهناك مثل رائع عن الصوم، وهو عندما ينشف البئر من الماء تختنق الضفادع والحشرات والجراثيم وتظهر القاذورات وعليك أن تقوم بتنظيفها وتطهيرها قبل أن تنزل الماء.

بمعني، في الصوم تموت الأهواء والشهوات والأحقاد أمام الحضرة الإلهية، فإذا كان الصوم هو نقطة التقاء بين الأديان ففي هذه الأيام المباركة يلتقي شعب مصر في تلك الشعيرة الدينية ولا سيما في يوم الجمعة العظيمة يكون هناك صوم تاماً في كل أرض مصر يصوم كل المسيحيين بمختلف مذاهبهم صوماً تاماً مع اخوتهم المسلمين ولذلك أتمنى أن يكون في ذلك اليوم تلاقي على الأقل في الأرواح سواء في الصلاة والدعاء من أجل بعضنا البعض ومن أجل مصر ورئيسها وشعبها والأزمات الاقتصادية العالمية.

تقبل الله العلي العظيم منا ومنكم

وكل عام وأنتم بخير

 

لمتابعة كل مقالات الدكتور القس جرجس عوض اضغط هنا