شارك مع أصدقائك

 

التصالح مع البيئة

استراليا اليوم

د. جرجس عوض 

 

الله حينما أراد سبحانه ان يخلق الإنسان قرر أن يعد للإنسان كل شيء حسب احتياجاته واعوازه، وإن اطلقنا العنان لخيالنا في كيفية إعداد الله مسكن فاخر للإنسان، نقول انه اختار الكرة الأرضية.

ونظر من سماه، فرأي أن الأرض تحتاج إلي النور، فخلق الشمس لتضيء بنورها لقاطني الأرض، ورأي أن الإنسان يحتاج إلي قسط من الراحة اليومية، فقسم اليوم إلي نهار للعمل، والليل للراحة.

وحتما سوف يحتاج الي أضواء تكسر ظلمة الليل الدامس، فجعل له أنوار خافته ورصع الكون بالنجوم الساطعة، وخلق القمر في غاية من الجمال والبهاء، وحدد له مكانته بدقة متناهية، وهذا كان سقف المسكن للإنسان، قمة في الخلق والابداع، ومن خلاله يعرف السنين والشهور والأيام فهو التقويم السنوي للإنسان، ونظر الي الأرض، وكمهندس بارع جعل للأرض جبال ورواسي.

ويؤكد العلماء بأنها عبارة عن مخازن لكافة المعادن بل ومصدر أساسي للقوت والغذاء للإنسان والحيوان والطيور، ومصدر النماء، إذ أن الأرض تستمد منها الخصوبة الدائمة والمستمرة، كما أنها تهطل عليها الأمطار، فيحمل الماء العذب الطمي إلى الأنهار والوديان ومنها إلي التربة فتزيد من خصوبتها واثمارها، كما انه يعتمد معظم سكان الكرة الأرضية على المياه الجبلية في كل نواحي معيشتهم المختلفة، بل وتعتبر مصدر مهم للطاقة الكهرومائية، وخلق الله البحار والأنهار وعالم البحار من اسماك وحيوانات بحرية.

ليس هذا فحسب بل أراد الله سبحانه أن يفرش الأرض بأجمل الأوصاف، فخلق للإنسان عالم النبات من أشجار متنوعة تحمل أجمل وأشهي الثمار والبقول بكل أنواعها، وأعشاب وخضراوات، وورود وازهار يفوح منه روائح زكية، وارد للإنسان ان يستمتع بخلائق مختلفة من طيور يصدر منها أجمل وأعزب الألحان والأصوات.

وخلق له كافة الحيوانات لتخدمه وتخضع له وتعينه وتحافظ علي التوازن البيئي، وتمده بالطعام، وبعد ان جهز كل شيء صالح للسكن وللمعيشة.

خلق الانسان في أحسن وأجمل صورة، وجعله في بيئة نظيفة وأوصاه بان يرعاها ويحافظ عليها لكونها هبة من هبات الله للإنسان، وميَّزه عن سائر الخليقة لكي يتسلط عليها ويتمتع بنعمة الحياة والوجود في حضرة الإله.

ومع مرور الأيام، تلوث الإنسان وتلوثت معه الطبيعة بالأفعال الأثيمة، الصادرة من سيد الخليقة سواء بالشرور أو بالحروب أو بالاختراعات ومن ثم انتشر التلوث في كل أرجاء المسكونة تلوث علي كافة الأصعدة.

تلوث حراري، وتلوث إشعاعي، وتلوث الهواء، وتلوث بيولوجي، ونفايات قاتلة، مما تسبب في خلل دورة المياه، وتآكل طبقة الأوزون، وانبعاث الغازات السامة. وانتشار الجفاف والجوع والتصحّر واحتراق الغابات والمساحات الخضراء وتلوث مياه الأنهار والبحار والمحيطات وارتفاع مستويات المياه في المحيطات والبحار بسبب ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وانتشار العواصف والفيضانات وأصبح التهجير قسري للناس بفعل العوامل الطبيعية وأصبحنا علي شفا كارثة كونية، والدخول في دائرة الدمار الذاتي، وأصبحنا ننتظر من الطبيعة تطبيق قانون لكل فعل رد فعل.

لقد شوّه الإنسان مسكنه الفاخر، الذي يعد هبه الله له. ومن هنا يجب علينا أن نعترف بأن المشكلة البيئية هي مـأساة تخص الجميع، من دول وحكومات وأديان، ومؤسسات ووسائل الإعلام، ورجال الأعمال وثقافة الشعوب، إننا في أمسّ الحاجة إلي نشر ثقافة بيئية جديدة، كما هو الحال في مبادرة التحضر للأخضر “مصر ٢٠٣٠”، تلك المبادرة التي تستهدف تغيير السلوك الإنساني، ونشر الوعي البيئي، وحثّ المواطنين علي التصالح مع البيئة وزراعة الأشجار التي تعد مصانع للحياة، والحدّ من استخدام البلاستيك وتلوث الهواء، وحماية المحميات الطبيعية والحفاظ علي الموارد الطبيعية وحقوق الأجيال القادمة وحقهم في الحياة والحفاظ على الكائنات البحرية والبرية، وعلينا أن نتعلم من أخطاء الماضي.

ويذكرنا التاريخ وبالتحديد في دولة الصين الشعبية أنه في عام 1958، شنّ الرئيس الصيني “ماو” الحرب على العصافير معتبراً إياها الآفة الزراعية، معتقداً أنه إذا تم التخلص منها فسوف تزيد المحاصيل الزراعية.

وبناء عليه اصدر فرمان بتكاتف جميع فئات الشعب بالتخلص من العصافير وارهاقها عن طريق الطبول والاعلام وبالفعل قام الناس بتدمير أعشاشها وقتل فراخها، وقام البعض بإطلاق النار عليها مما جعل العديد من العصافير تلجأ إلى السفارة البولندية حيث أنه لم يُسمح للصينيين بالدخول، فأحاط الصينيون بمبنى السفارة عازمين علي قرع الطبول المستمر، وبالفعل مات الملايين من العصافير ومات أكثر من ثلاثة ملايين طائر في بكين وحدها، وبدلاً من زيادة كافة المحاصيل ومحصول الأرز، فقد انخفض بشكل كبير ولم يدرك الرئيس الصيني “ماو” أن العصافير كانت تتغذي علي الحشرات التي تسببت في أضرار المحاصيل، وانتشرت الآفات الزراعية، ومن ثم، المجاعة الصينية الكبرى، التي راح ضحيتها اكثر من 45 مليون شخص، وذلك بسبب الخلل الإيكولوجي الناتج عن موت العصافير.

وتعد تلك المجاعة بالعظمي في تاريخ جمهورية الصين الشعبية التي امتدت ما بين سنة 1958 و1961 حيث ساهم الجراد أيضاً في القضاء علي الأخضر واليابس. 

إن مسألة الحفاظ علي البيئة أصبحت مسألة كونية تمسّ حياة كل إنسان وكل المخلوقات على وجه الأرض. وعلي كل الدول ان تتكاتف معا للحفاظ علي البيئة والتصالح معها، قبل فوات الأوان.