د. القس/ جرجس عوض
راعى الكنيسة المعمدانية بالقاهر
منذ بدء الخليقة قام قايين وقتل أخيه، ولماذا قتله؟ لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه كانت بارة.
لقد كانت أول جريمة بشرية على الإطلاق، بل وأول دم يسيل على الأرض، كان دم هابيل.
ومن هذا الوقت عرفت الأرض الجريمة، بل وارتبطت الجريمة بالإنسان.. ومن هنا افترق البشر إلى قسمين: قسم يمثل قايين الطالح الشرير، والآخر يمثل هابيل الصالح إلى وقتنا هذا.
وبعد مرور الزمن استطاع الإنسان بعقله الخلّاق أن يطوِّر ويخترع ويبتكر في كل المجالات: الزراعية، الصناعية، الهندسية، الطبية، العلمية، الفلك وكافة العلوم.
كما استطاع أن يُخضعَ كلَ شيءٍ لخدمته: الحيوانات، الوحوش، الماء، الهواء، الحديد والنار.
بل وتحدى الأمراض، وسيطر على الفيروسات، واستطاع أن يقهر الأمراض الفتّاكة، ويحوّل المستحيل إلى ممكن، والأحلام إلى حقيقة، وحوّل المسافات إلى لحظات حتى وصل إلى القرن الواحد والعشرين، الذي حقّق فيه طفرة علمية غير مسبوقة، مثل علوم الاتصالات والعلوم الرقمية والعقل الإلكتروني والميتا فيروس
ومشروع هارب المرعب الذي يعتمد على الهندسة الجيولوجية للتحكم في الطقس والزلازل والفضاء، ومن ثم سخر كل شيء من حوله لخدمته.
هذا هو الإنسان، إنه أقوى المخلوقات الكونية، ولكن رغم قوة هذا الكائن العظيم في تغيير وتطوير والتحكم في كل شيء من حوله، إلا أنه وقف عاجزاً عن تغيير وتطوير نفسه، فما زال الإنسان هو الإنسان، عجزت الحضارة عن تغييره، وعجز الدين عن تهذيبه، وعجز العلم عن تطويره، وأمثال قايين استخدموا الدين من أجل تحقيق أغراضهم وشهواتهم ورغباتهم، فأصبحوا يقتلون ويذبحون ويفجرون ويسرقون ويزنون ويطمعون ويحقدون ويغشون ويرتشون تارةً باسم الدين وتارةً باسم العنصرية والعرقية، وهكذا نشروا في الأرض فساد ونحيب وعويل ودموع وبكاء. ولم يرحموا أماً تنوح على زوجها أو طفلها.
لم يراعوا مشاعر وصرخات وبراءة الطفولة، ملأوا العالم ضجيج ونحيب وهدم ويُتمِ.
لقد تجردوا من كل معاني الإنسانية والأخلاق والضمير والدين وارتكبوا أبشع الجرائم بكل خسّة ووضاعةِ، خلفوا آلاف القتلى والمصابين وذوي العاهات، وآلاف المشردين واللاجئين، وثكلوا ورمّلوا النساءَ وقتلوا رجالاً بوحشيةٍ ليس لها نظير في عالم الوحوش والغابات.
فماذا حدث لهذه الإنسانية، لقد أصبحت ترتدي ثياب العلم والمعرفة والتطور من المتخلفين والمتوحشين، ولا تصلح أن تعيش في ثياب البشر.
وعلى تلك الإنسانية أن تعيش خلف قضبان الوحوش، أو في غابات ما قبل التاريخ، لكونها لم تستطع أن تغيّر أو تطوّر من نفسها، فلا يوجد دواء بين البشر يعالج أخلاق الإنسان الفاسدة.
فما زال أبناء قايين القاتل! يملؤون الأرض دماً، وبرغم من أنهم يرتدون ثياب هابيل! ويستخدمون أسلحة القرن الواحد والعشرين، ولكنهم يعيشون بعقلية الإنسان البدائي. فمظهرهم متطور ومتحضر وجوهرهم بدائي ومتخلف، ليس لهم قلب أو مشاعر الإنسان، هؤلاء يهتفون وهم يذبحون يفرحون وهم يدمرون يرقصون على دماء الضحايا. فأي إله تعبدون؟ وبأي أخلاق تتحلون؟ كيف تسوّل لكم أنفسكم أن تقتلوا وتروّعوا الآمنين. منْ أعطى لكم توكيل بالقتل والتدمير سوى الشيطان الرجيم. وهل إله الخير يأمر بالشر؟ هل إله الصلاح يأمر بالخراب؟ هل إله الحب يأمر بالكراهية؟ هل إله القداسة يأمر بالاغتصاب والحرب؟ أي إله تعبدون؟ لماذا لكم أرجل سريعة إلى سفك الدماء؟ وكيف لا تعلمون طريق السلام؟ لماذا لم يكن خوف الله قدام أعينكم؟ هذا لكونكم أولاد قايين وسوف يظل قايين يقتل هابيل وصوت دم هابيل صارخ من الأرض للسماء ليعلن أن الخير حتما سينتصر على الشر، وهابيل سوف يقوم يوم الدين ليدين قايين.
وها نحن نضم صوتنا مع أصوات الصارخين إلى ضمير المجتمع الدولي وإلى كافة منظمات حقوق الإنسان، أنصفوا الحق ارحموا الطفولة ورعب الأطفال ارحموا صراخ الأمهات يا من حوّلتم السماء إلى جحيم وجعلتم الأرض بركاناً من نيران وهدمتم بيوت ومدارس وجوامع وكنائس ومستشفيات؟ إن دماء الأبرياء تصرخ صرخات مدوّية إلى كل العالم فهل من مجيب؟، وإن لم يسمع، فهناك صرخات صامته تصل إلى السماء دون وسيط أو شفيع، وتهزّ عرش الرحمان، إنها صرخات دماء الأطفال والأبرياء، وها صرخات المتألمين مّنْ فقد ابنه ومَنْ فقد أباه ومَنْ فقد أمه ومَنْ فقد عائلته تُرفع إلى المجتمع الدولي، وإننا نؤيّد كل قرارات الرئيس السيسي التي صرّح بها، سواء في الخطابات الخاصة أو في مؤتمر السلام، ونرفض رفضاً تاماً تصفية القضية الفلسطينية، ونطالب بحلِّ الدولتين وأن القصف الوحشي للمستشفى الأهلي المعمداني وإراقة دماء المدنيين يعدُ انتهاك صارخ لكافة القوانين الإنسانية والدولية ومواثيق حقوق الإنسان وإننا نشجب ونرفض ونستنكر جميع الممارسات المتعمدة ضد المدنيين والمظلومين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إن ترويع الآمنين جريمة الجرائم ووصمة عار في جبين الإنسانية وأطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف تلك الأعمال الوحشية التي تعدّ جريمة حرب يعاقب عليها مرتكبيها ونحن ضد إراقة الدماء الزكية في كل مكان وتحت أي مسمى، وأناشد كافة الدول العربية والعالمية بتقديم كافة المساعدات والوقوف بجانب المظلومين والمقهورين وان حياة الإنسان وسلامته وأمنه وأمانه توضع في الأولوية لكي يعيش كلاً علي ارضه، في أمن وسلام واطمئنان وندعو إلى الله ونرفع أيادينا نحو السماء ونحن نقول لسنا نعلم ماذا نفعل لكن نحوك أعييننا يا ربنا ترأف برحمتك على هذا الشعب عزي النائحين ورد ظلم المظلومين واشفِ جرح المتألمين واملأ بسلامك قلوب الخائفين وأجبّر الكسور وضمد الجروح فانت ارحم الراحمين اعنهم يا الله واملأ أراضيهم وأرضنا وكل العالم بسلامك وأمنك وأمانك.