نشرت جرية مصرنا اليوم سابقاً أنه في 5 أكتوبر دانت الشرطة الاتحادية الأسترالية رجلاً من «ملبورن» بموجب بند من قوانين التدخل الخارجي التي تم تمريرها في عام 2018، وتعرّفت الصحافة لاحقاً على ذلك الرجل، فتبيّن أنه رئيس ومُموّل الجالية الصينية العرقية في أستراليا دي سانه دونغ، وقد كان عضواً في الحزب الليبرالي الحاكم، وتفيد التقارير بأنه ترك الحزب بعد اعتقاله.
مررت أستراليا ثلاثة مشاريع قوانين جديدة في عام 2018 وكانت تهدف إلى كبح التدخل الخارجي المتزايد في الشؤون الأسترالية الداخلية: قانون تعديل تشريعات الأمن القومي (أي التجسس والتدخل الأجنبي) الذي يشمل جرائم جديدة مرتبطة بعملاء للقوى الخارجية في القانون الجنائي الاتحادي الأسترالي؛ وقانون برنامج الشفافية للنفوذ الأجنبي؛ وقانون تعديل التشريع الانتخابي (أي تمويل الانتخابات وإصلاح عملية الإفصاح عن المعلومات). سبق أن أشار المحللون إلى نقاط التشابه بين برنامج الشفافية للنفوذ الأجنبي والقانون الأميركي لتسجيل العملاء الأجانب من عام 1938، لكنّ الأول أوسع من الثاني لأنه يشمل عدداً أقل من إعفاءات التسجيل، ويُعتبر برنامج الشفافية للنفوذ الأجنبي أكثر صرامة أيضاً لأنه يتطلب مستوىً أعلى من الامتثال.
على صعيد آخر، ألغت الحكومة الأسترالية تأشيرات عالِمَين صينيَين في شهر سبتمبر كجزءٍ من تحقيق واسع لمكافحة التدخل الأجنبي، ويذكر تقرير صادر عن «هيئة الإذاعة الأسترالية» أن هذا التحقيق «كشف هويات كبار الصحافيين والأكاديميين الصينيين الذين استدعتهم الشرطة الاتحادية ومنظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية».
كذلك، ستسمح القوانين الجديدة التي أصبحت قيد النقاش للحكومة الاتحادية الأسترالية بمراجعة العلاقات والشراكات التجارية بين الصين والجامعات والكيانات الحكومية في أستراليا.
اتّضحت خطورة التحدي الذي تواجهه أستراليا على مستوى اختراق نظامها السياسي من جانب القوى الموالية للصين على الساحة الدولية في ديسمبر 2017، حين استقال عضو «حزب العمال» سام داستياري من مجلس الشيوخ الأسترالي في ظل انتشار ادعاءات مفادها أنه عارض موقف حزبه حول بحر الصين الجنوبي بناءً على طلب أفراد من الحزب الشيوعي الموالي للصين مقابل خدمات مالية. منذ ذلك الحين، أدى المجتمع المدني الأسترالي، بدعمٍ من التشريع الجديد، دوراً مؤثراً في تحديد حالات تدخّل الحزب الشيوعي في أستراليا وفي أنحاء العالم. لكن يشعر الكثيرون بالقلق من إقدام بعض السياسيين الأستراليين على التصدي لتدخّل الحزب الشيوعي ونفوذه في بلدهم بطرقٍ تشبه إجبار الأستراليين الصينيين على قَسَم يمين الولاء، مما يصبّ في مصلحة بكين.
تعليقاً على اعتقال دونغ، قال نائب مفوض الشرطة الاتحادية الأسترالية إيان مكارتني: «التدخل الخارجي يتعارض مع المصلحة الوطنية الأسترالية ويستهدف صلب ديمقراطيتنا».
لا تزال العلاقات بين أستراليا والصين مضطربة بشكلٍ لافت، فقد حظرت الصين مجموعة من الواردات الأسترالية، بما في ذلك الفحم، والقمح، والشعير، وخام النحاس، والسكر، والخشب، والنبيذ، والكركند.
وظاهرياً، فُرِض جزء من قرارات الحظر (بما يخالف قواعد منظمة التجارة العالمية وأحكام اتفاقية التجارة الحرة بين أستراليا والصين) بحجّة الحفاظ على الأمن البيولوجي وبسبب مخاوف استهلاكية أخرى. لكن ألمحت الصين نفسها إلى ارتباط تلك القرارات بتدهور الحالة العامة للعلاقات الثنائية بين البلدين.
ونظراً إلى ميل الصين الدائم إلى ربط مواضيع النقاش ببعضها للتوصل إلى تسوية مشتركة واعتيادها على استعمال أسلوب الإكراه في مجال الاقتصاد، كان إقدام بكين على فرض ضغوط مباشرة على كانبيرا سلوكاً متوقعاً للأسف، لكن في حين تستعد الحكومة الأسترالية برئاسة سكوت موريسون لمواجهة الصين وتتابع بكين فرض نفوذها وتدخّلها في شؤون أستراليا بطريقة متهورة، يصعب أن نتوقع نهاية سعيدة للعلاقات بين البلدين.